قوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم 155 ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير 156 ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون 157 ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون 158}
  مَاتُوا» هذا قول المنافقين لإخوانهم لو كانوا مقيمين عندنا ما ماتوا «وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّه ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ» قيل: صار عاقبة قولهم أنه جعل ذلك حسرة في قلوبهم؛ إذ لم يُقْتلِ المؤمنون، فجاهدوا ونالوا الظفر، وقعدوا هم فلم ينالوا شيئًا عن أبي علي، وقيل: لكي يجعل ذلك حسرة في قلوبهم، وقيل: ليجعل ظنهم أنهم لو لم يحضروا الوقعة لم يقتلوا حسرة؛ لأن حسرتهم مع هذا الظن أشد ممن يعلم أنه كان يموت حضر أو لم يحضر، وقيل: الحسرة عليهم من وجهين: أحدهما: الخيبة فيما أملوا من الموافقة، والآخر: ما فاتهم من الظفر والغنيمة «وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ» يعني يحيي من يشاء ويميت من يشاء سفرًا وحضرًا لا يتعجل موت لسفر ولا يتأخر لحَضَرٍ، وقيل: فيه حث على القتال كي لا يَفْتُروا وإن قل عددهم؛ لأن الموت والحياة إليه، ولا يموت إلا بعد استيفاء أجله، وقيل: أراد أن الفرار لا يدفع الموت لأنه إليه تعالى «وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» أي عالم بأعمالكم يجازيكم بها، ثم حيث على الجهاد بأن بيَّن أن الشهادة خير من الدنيا فقال تعالى: «وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه» أي في الجهاد «أوْ مُتُّمْ» قاصدين مجاهدة العدو استوجبتم المغفرة، والمغفرة خير مما يجمعون في الدنيا، والعيش الذي لأجله يتثاقلون في الجهاد، وقيل: أراد قَتْلٌ في سبيل اللَّه أو موت في سفر خير مما يجمعه هَؤُلَاءِ المنافقون، رَدَّ عليهم قولهم، وقيل: معناه إذا كان الموت لا بد نازلاً بكم فموت في سبيل اللَّه أو قَتْل خَير مما تجمعون من الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد، وقيل: هو تعزية وتسلية للمؤمنين، يعني قتل من قتل في الجهاد وموت من مات خير مما جمعتم من الغنيمة والمال عن أبي مسلم، والمغفرة: الصفح عن الذنب. والرحمة: الثواب والجنة «وَلَئنْ مُتُّمْ» أيها المؤمنون «أَوْ قُتِلْتُمْ» في سبيل اللَّه «لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ» أي إلى حكمه تجمعون فيجازيكم يعني إذا كان مرجعكم إليه فآثروا ما يقربكم منه ويوجب رضاه من الجهاد في سبيله والعمل بطاعته ولا تركنوا إلى الدنيا، والحشر إليه هو الحشر إلى الموضع الذي يحكم هو فيه ولا يملك الضر والنفع غيره عن أبي علي.