التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين 159}

صفحة 1365 - الجزء 2

  وقيل: هو «ما» الاستفهام والمراد به التعجب، تقديره: فبأي رحمة من اللَّه لنت لهم حتى سهلت لهم أخلاقك، وتجاوزت عنهم ما فعلوا يوم أحد.

  (فظًّا) نصب لأنه خبر كان.

  · المعنى: ثم بيّن تعالى أن مجاوزة الرسول عنهم عند مخالفتهم ومساهلته إياهم من رحمته حيث جعله لَيِّنَ الجانب حسن الخلق، فقال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّه» أي برحمة منه، عن قتادة وأكثر المفسرين، ومعناه: بلطفه «لِنْتَ لَهُمْ» أي سهلت لهم وحَسُنَت أخلاقك معهم يعني أصحابه وأتباعه حتى احتملت أذاهم وعفوت عن إجرامهم «وَلَوْ كُنْتَ» يا محمد «فَظًّا» أي جافيًا سيئ الخلق «غَلِيظَ الْقَلْبِ» يعني قاسي القلب غير ذي رحمة ولا رأفة، وإنما جمع بين الصفتين وإن كان المعنى متفقًا؛ لأن الفظاظة في الكلام والقساوة في القلب، فنفى الخنا عن لسانه والقسوة عن قلبه «لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» قيل: لتفرقوا عنك، وقيل: كان ذلك سبب نفورهم عنك وداعية إلى فراقك، في الكتب المتقدمة في صفة النبي ÷: ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح، بين تعالى ما يرفع شأنهم ويفخم أمرهم فقال تعالى: «فاعْفُ عَنْهُمْ» قيل: تجاوز عنهم إن آذوك بمكروه، وقيل: فاعف عنهم فِرارَهم بأحد، وقيل: اصفح عنهم تَرْكَهُمْ في أمرك بلزوم المكان «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ» أي ادع لهم بالمغفرة لأشفعك فيهم، قيل: هذا في الَّذِينَ تابوا يوم أحد، وقيل: عام في جميع التائبين، وقيل: هو في أصحاب الصغائر؛ لأنه لا يأمره بالاستغفار إلا إذا استغفر غفر لهم «وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ» أي استخرج رأيهم، واختلف العلماء في فائدة مشاورته معهم مع استغنائه بالوحي، فقيل: تطييبًا لنفوسهم ورفعًا من أقدارهم إذا كانوا ممن يوثق بقولهم ويرجع إلى رأيهم عن قتادة والربيع وابن إسحاق، وعن النبي ÷: «إن اللَّه لغني عن المشورة ولكن لتأليف القلوب»، وقيل: لتقتدي