التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير 165 وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين 166 وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون 167 الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين 168}

صفحة 1378 - الجزء 2

  ويقال: ما موضع قوله: «الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ» من الإعراب؟

  قلنا: يحتمل ثلاثة أوجه: [الأول] النصب على البدل من (الَّذِينَ نافقوا). الثاني: الرفع على البدل من الضمير في (يكتمون). الثالث: الرفع على خبر الابتداء، بتقدير هم الَّذِينَ قالوا لإخوانهم.

  · المعنى: عاد الكلام إلى ذكر الجهاد، وما كان منهم يوم أحد ويوم بدر، وما قاله المنافقون فقال سبحانه: «أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ» يعني حين أصابكم القتل والجرح بأحد، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين سبعين «قَدْ أَصَبْتُمْ» أيها المؤمنون «مِثْلَيهَا» ببدر فإنه قتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون عن قتادة وعكرمة والربيع والسدي، وقيل: قتل منهم ببدر سبعون، وبأحد سبعون «قُلْتُمْ أَنِّى هَذَا» يعني من أي وجه أصابنا هذا، ونحن مسلمون، وفينا رسولْ اللَّه، وينزل عليه الوحي وهم مشركون؟! وقيل: إنهم استنكروا ذلك للوعد الذي وعدهم أن ينصرهم إن أطاعوه عن أبي علي «قُلْ» يا محمد «هُوَ» يعني ما أصابكم من الهزيمة والقتل «مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ» أي لمخالفتكم أمر ربكم، وترككم طاعة الرسول لا لخلف وعد من جهته تعالى؛ لأنه وعد النصر إن أطعتم، واختلفوا في الخطيئة التي أدتهم إلى تلك المصيبة على أقوال:

  الأول: هي خلافهم في الخروج من المدينة للقتال يوم أحد، وقد كان دعاهم النبي ÷ إلى أن يتحصنوا بها، ويدعو المشركين إلى أن يقصدوهم فيها، فقالوا: كنا نمتنع من ذلك في الجاهلية فنحن بالإسلام أحق؛ لأنا به أعز عن قتادة والربيع.

  الثاني: اختيارهم الفداء من الأسرى يوم بدر على القتل، وقد قيل لهم: إن فعلتم ذلك قتل منكم بعدتهم، عن علي وعبيدة السلماني.

  الثالث: خلاف الرماة يوم أحل! لما أمرهم به الرسول ÷ من ملازمة موضعهم.

  الرابع: من عند أنفسكم أي لفشلكم وتنازعكم وعصيانكم فاتقوا ذلك.

  «إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ» قيل: وإن لم ينصركم في الحال لمخالفتكم فهو