التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير 165 وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين 166 وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون 167 الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين 168}

صفحة 1380 - الجزء 2

  لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} أي إلى هذا «يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيسَ فِي قُلُوبِهِمْ» قيل: ذكروا الأفواه تأكيدًا؛ لأن القول قد يضاف إليه إذا قال رسوله، وقيل: فرقا بين قول اللسان وقول الكتاب، ومعناه أنهم قالوا: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وأضمروا أنه وإن كان قتالاً لا يقاتلون معهم ولا ينصرون النبي ÷، وقيل: يقولون بأفواههم من الإيمان والتقرب إلى الرسول ما ليس في قلوبهم، فإن في قلوبهم الكفر «وَاللَّهُ أعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ» بما يضمرون من النفاق «الَّذِينَ قَالُوا» يعني المنافقين «لإخْوَانِهِمْ» في النسب لا في الدين، وهم عبد اللَّه بن أبي وأصحابه، قالوا في قتلى أحد عن جابر وقتادة والسدي والربيع، وقيل: هم المتخلفون من المنافقين دون عبد اللَّه ابن أبي؛ لأنه حضر الوقعة، والأول الوجه؛ لأنه الذي انخذل بهم، وقيل: سماهم إخوانًا على زعمهم «وَقَعَدُوا» يعني هَؤُلَاءِ المنافقين القائلين قعدوا عن الجهاد «لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا» يعني مَنْ قُتِل بأحد لو قعدوا كما قعدنا، وفعلوا كما فعلنا لسلموا كما سلمنا، ولم يقتلوا كما لم نقتل «قُلْ» يا محمد جوابًا لهم «فَادْرَؤُوا» أي ادفعوا «عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ» يعني من علم الغيب في السلامة والقتل يجب أن يمكنه أن يدفع عن نفسه الموت فليدفع هذا القائل الموت عن أنفسكم، وقيل: إن المراد أنّ الموت والقتل سببان لفناء الخلق، فادرؤوا الموت في الوقت المعلوم عن الأصم، يعني أن ذلك غير مقدور لبشر، وقيل: ادفعوا عن أنفسكم الموت بجلوسكم لو نجى أولئك من القتل أو جلسوا فلستم في قولكم صادقين؛ لأنه كان يجوز لو لم يخرجوا لدخل المشركون عليهم ديارهم فقتلوهم عن أبي علي، وقيل: إن كنتم محقين في تثبيطكم عن الجهاد فرارًا من القتل، وقيل: إذا كان تحرزكم لأولئك من القتل ممكنًا، فأنتم على دفعه من أنفسكم أقدر عن أبي مسلم.

  فإن قيل: ما يقوله أبو علي كيف يكون ذلك كذبا عنهم؟

  قلنا: لأنهم لا يدرون لعلهم لو لم يخرجوا لدخل عليهم المشركون دارهم وقتلوهم.