التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون 170}

صفحة 1381 - الجزء 2

  · الأحكام: في الآية الأولى تسلية للمؤمنين فيما أصابهم يوم أحد، بأنهم قد أصابوا من أعدائهم مثليها، مع ما يرجون من الثواب الذي يئس منه أعداؤهم.

  ويدل قوله: «قُلْ هُوَ مِن عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ» أن ما أصابهم إنما كان بسبب من جهتهم من خلاف الرسول، وذلك يدل على أن ذلك فعلهم فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.

  وتدل على أنه لولا مخالفتهم لنالهم النصر.

  ويدل قوله: «أَوِ ادْفَعُوا» أن تكثير سواد المجاهدين بمنزلة القتال في أنه يعد من الجهاد.

  ويدل قوله: «يقولون بأفواههم» على نفاق القوم، ولذلك عقبه بقوله: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ» تحذيرًا لهم من إسرار الكفر، وفي قوله: «قْل فَادْرَؤُوا» ترغيب في الجهاد، وبيان أن كل أحد يموت بأجله، فلا ينبغي أن يجعل ذلك عذرًا في القعود عن الجهاد؛ لأن المجاهد قد يسلم والقاعد قد يموت، فيجب أن يكون الاتكال عليه تعالى.

  وتدل على أن الآجال مؤقتة معلومة لا تزيد ولا تنقص، ولا يقدر عليها أحد غيره تعالى.

قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ١٧٠}

  · القراءة: إجماع القراء على التاء هاهنا في تحسبن على أنه خطاب للنبي ÷، أو على تقدير: لا تحسبن أيها الإنسان، أو أيها السامع، وروي في الشواذ عن أهل الشام: يحسبن - بالياء - فأما ما بعده فقرئ بالياء وبالتاء.

  وقرأ ابن عامر: «قُتِّلُوا» بالتشديد، والباقون بالتخفيف.