قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون 170}
  · النزول: قال بعضهم: الآية نزلت في شهداء بدر، وكانوا أربعة عشر رجلاً، ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين، منهم أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
  وقال بعضهم: بل نزلت في شهداء أحد، وكانوا سبعين رجلاً، أربعة من المهاجرين منهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وسائرهم من الأنصار.
  وروى ابن عباس عن النبي ÷ أنه قال: «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل اللَّه تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل ثمارها، وتسرح من الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش، فلما رأوا طيب مقيلهم ومطعمهم ومشربهم وما أعد اللَّه لهم من الكرامة قالوا: يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه حتى يرغبوا في الجهاد، وقال اللَّه تعالى: إنا نبلغ عنكم إخوانكم ففرحوا واستبشروا، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ» الآية. ولا شبهة أن المكلف والمثاب والمعاقب هو هذا الشخص المبني بنية مخصوصة، وأن الروح لا تقوم بنفسها ولا تحيا، وإنما هي شرط في حياة الشخص، فلا بد للخبر من تأويل، فيحمل على أحد وجهين:
  إما أنه فعل ذلك بأرواحهم كرامة لهم كما فعل بكتب المؤمنين في قوله: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} وكما نفعل فيما بيننا بتذكرة الأحبة إذا غابوا أو ماتوا.
  الثاني: أن يكون المراد بالروح الشخص نفسه.
  وقد روي عن جابر أن أباه قتل، وأنه لما رأى ما هو فيه من النعيم قال: يا رب من يبلغ قومي ما أنا فيه فقال تعالى: أنا مبلغ ذلك، وأنزل الآية.
  وفي خبر ابن مسعود أنه لما قتل بأحد من قتل ونالوا من كرامة اللَّه ما نالوا قالوا: يا ربنا أقرئ عنا نبينا السلام، وأخبره أنا رضينا ورضي عنا، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية.