قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون 170}
  وقال بعضهم: إن رجالاً من الصحابة قالوا: يا ليتنا نعلم ما فُعِلَ بإخواننا الَّذِينَ قتلوا بأحد، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية عن قتادة والربيع.
  وقال بعضهم: إنها في شهداء بئر معونة من قراء أصحاب النبي ÷ ورضي عنهم، وذلك أن أبان بن عامر بن مالك بن ملاعب الأسنة، وكان سيد بني عامر بن صعصعة قدم المدينة وأظهر الإسلام، وذهب بجماعة من أصحاب النبي، ÷ منهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وذلك في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد، فلما نزلوا بئر معونة خرج عامر بن الطفيل في قبائل بني سليم عصية وذكوان فقتلوهم عن آخرهم غير عمرو بن أمية، فإنه كان في سَرْح القوم، فقدم على رسول اللَّه ÷ وأخبره بذلك، قال أنس: فأنزل اللَّه تعالى فيهم هذه الآية: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ».
  وقال بعضهم: إن أولياء اللَّه الشهداء، قالوا: نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية تسلية لهم وإخبارًا عن حال قتالهم.
  · المعنى: لما حكى اللَّه تعالى قول المنافقين فيمن قتل من الشهداء تثبيطًا للناس عن الجهاد، وليكون ذلك حسرة في قلوبهم عقبه بذكر حال الشهداء ردًّا عليهم وترغيبًا في الجهاد وما أعد اللَّه لهم في الشهادة من الكرامة، فقال سبحانه: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ» قيل: هو خطاب للنبي، وقيل: المراد أمته وإن كان الخطاب له، وقيل: ولا تحسبن أيها السامع، أو أيها الإنسان، أي لا تظنن «الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أي في الجهاد في نصرة دينه «أَمْوَاتًا» يعني موتى كموت من لم يقتل في سبيل اللَّه «بَلْ أَحْيَاءٌ» بل هم أحياء، واختلفوا في معنى كونهم أحياء على أقوال:
  قول من ينفى الحياة في القبر وإلى يوم الحشر، ثم اختلفوا، فقيل: أحياء بالذِّكر معظمون مذكورون بالفضل، وقيل: أحياء في الجنة يوم القيامة عن أبي القاسم وأبي مسلم، وقيل: أحياء في جريان العبادة لهم كما كان تجري لهم في حال الحياة، وقيل: أحياء في الدين، وقيل: أحياء في العلم، وقيل: أجسادهم لا تبلى في القبر، ولا تأكلها الأرض، وقيل: لأنهم لا يغسلون كما لا يغسل الأموات، وقال النبي ÷: