التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون 170}

صفحة 1385 - الجزء 2

  «زملوهم بدمائهم وثيابهم، فإنهم يبعثون يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك».

  الثاني: قول من يجعل الحياة في الدنيا للأرواح دون الأجساد، ثم اختلفوا فقيل: أحياء لأن أرواحهم تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة كأرواح الأحياء من المؤمنين الَّذِينَ باتوا على الوضوء، وقيل: أرواحهم أحياء يتنعمون وأجسادهم بالية، ورووا في ذلك أخبارًا ذكرنا طرفًا منها في النزول، ورووا عن الحسن أيضًا.

  الثالث: قول من يجعل الحياة للأجساد، ويجوز الثواب والعقاب والإحياء في القبر، ويجوز إصعاد الشهداء والأنبياء إلى الجنة، ثم اختلف هَؤُلَاءِ، فقال بعضهم: أحياء في القبور، وقال بعضهم: أحياء في حال هذا الخطاب، ثم كيف يكون حالهم بعد ذلك، ولئن كانوا أحياء في القبر أو في السماء فموقوف على الدليل، وليس في الآية بيانه، وهو قول شيخنا أبي علي وأبي هاشم وجماعة من مشايخنا، وهو قول أكثر الأمة، وهو الصحيح؛ لأن الوجه الأول كله عدول عن الظاهر والحقيقة، ولأنه لا يختص به الشهداء، والوجه الثاني بينا أن ما يذكرونه في الروح ليس بشيء، ولأنه لا يختص به الشهيد، ولا يحمل على يوم القيامة؛ لأنه لا يخص الشهيد، ولأنه لا يظن مؤمن أن أحدًا لا يبعث يوم القيامة.

  «عِنْدَ رَبّهِمْ» قيل: في علمه، وقيل: في الموضع الذي لا يجري فيه إلا حكمه، وقيل: عند ربهم بالمنزلة والرفعة، وقيل: يحييهم عند غيبة الناس بحيث لا يرونهم، ولا يجوز حمله على المشافهة؛ لأنه يتعالى عن ذلك «يُرْزَقُونَ» قيل: في قبورهم غداء وعشاء، وقيل: يرزقون النعيم في قبورهم، وقيل: من نعيم الجنة، وقيل: يعرض عليهم نعيم الجنة غدوًا وعشيًا «فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّه مِنْ فَضْلِهِ» أي مسرورين بما آتاهم اللَّه من نعمه، قيل: بما أعطوا في قبورهم، وقيل: في الجنة، وقيل: بما يرجون من اجتماعهم مع الأنبياء، وقيل: فرحين بما نالهم من الشهادة وجزائها «وَيسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ» معناه أنهم بمنزلة من بشر في صاحبه بما بشر به، واختلفوا، فقيل: يقولون: إخواننا يقتلون كما قتلنا فيصيبون من كرامة اللَّه ما أصبنا عن ابن جريج