قوله تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم 179}
  · المعنى: ثم وعد اللَّه تعالى المؤمنين النصر والإظهار عطفًا على ما تقدم من الوعد بنعمه فقال سبحانه: «مَا كَانَ اللَّه لِيَذَرَ» أي ليدع، ومعناه أنه لا يدع «الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيهِ» من الاختلاط، قيل: إنه خطاب للكفار تقديره: ما كان اللَّه ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه يا أهل الكفر من النفاق، وقيل: بل هو خطاب للمؤمنين على تقدير: ما كان اللَّه ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم من التباس المؤمنين بالمنافقين «حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» المخلص من المنافق عن مجاهد وابن جريج وابن إسحاق، وقيل: الكافر من المؤمن عن قتادة، وقيل: حتى يميز المخلص من المنافق يوم أحد بالامتحان، واختلفوا بأي شيء ميز بينهم، قيل: بالامتحان بتكليف الجهاد ونحوه مما يظهر به الحال كما ظهر يوم أحد، فثبت المؤمنون معه، وتخلف المنافقون عن أبي علي، وقيل: بالدلالات والعلامات التي يستدل بها عليهم من غير نص عليهم، وقيل: بنصر المؤمنين حتى يكثر المؤمنون، ويعز الدين، ويُذِلَّ المنافقين، ويغني عن مداراة المنافقين عن أبي مسلم، وقيل: بالهجرة والجهاد، وقيل: ما كان اللَّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الإقرار حتى يفرض الفرائض، فيثبت المؤمن على إيمانه، ويتميز عمن ينقلب على عقبيه عن الأصم «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيبِ» أي ما كان اللَّه ليظهر على غيبه أحدًا منكم يا معشر المؤمنين في حديث المنافقين وغيره، وقيل: على ضمائر القلوب حتى تعلموا المؤمن من المنافق، وقيل: ما كان اللَّه ليوحي إليكم ويجعلكم جميعًا بمنزلة الرسول، وقيل: إنه جواب لقولهم {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} يعني يوحى إلينا كما أوحي إليه فقال تعالى مجيبًا لهم: ما كان اللَّه ليفعل ذلك «وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي» يصطفي ويختار «مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ» ممن سيصلح له قبل اجتبائه رسوله ولم يطلعه على الغيب عن السدي، وقيل: لكن اللَّه يجتبي يعلم ذلك من يشاء من رسله عن ابن إسحاق والأصم وأبي مسلم «فَآمِنُوا بِاللَّهِ» يعني فصدقوا اللَّه «وَرُسُلِهِ وَإنْ تُؤْمِنُوا» تصدقوا «وَتَتَّقُوا» المعاصي «فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ» ثواب جزيل، وقيل: فآمنوا بِاللَّهِ ورسله فقد جاءكم محمد بالآيات الدالة على رسالته، وصدق من تقدم من الرسل عن الأصم.