قوله تعالى: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين 183 فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير 184}
  كتكذيبهم «فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ» قيل: أراد زكريا ويحيى، وقيل: جميع من قتلوه من الأنبياء «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» يعني إن صدقتم أن اللَّه عهد إليكم أن تصدقوا من جاء بقربان تأكله النار فلم قتلتم من جاء به؟! احتج عليهم بأنه قد جاءهم ما سألوه ولم يؤمنوا، كما لم يؤمنوا بك، وإنما لم يأتهم ما اقترحوا لعلمه تعالى بأنه مفسدة لهم، «فَإِنْ كَذَّبُوكَ» تعزية وتسلية للنبي ÷ عن الحسن والضحاك وابن جريج، وقيل: أمره أن يصبر كما صبر أولئك الرسل فإن العاقبة له كما كانت لهم، واختلفوا، فقيل: كذبوك في هذا الخبر أنهم قتلوا من جاءهم بالقربان عن الأصم، وقيل: كذبوك بالنبوة عن جل المفسرين «فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ» أي إن كذبوك مع هذه المعجزات فلا يحزنك ذلك؛ فإنهم جروا على عادة من قبلهم من أسلافهم فإنهم كذبوا رسلاً «مِنْ قَبْلِكَ» كنوح وهود وصالح وغيرهم «جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ» بالحجج «وَالزُّبُرِ» أي الكتب «وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ» المضيء، وسمي منيرًا من النور؛ لأنه به تظهر أمور الدين، وإنما جمع بين الزبر والكتاب وإن كان معناهما [واحدًا]؛ لأن أصلهما مختلف، فهو زبور لما فيه من الزواجر، وكتاب لأنه مكتوب، قال الزجاج: الزبور كل كتاب ذو حكمة وقيل: البينات: المعجزات، والزبر الزواجر، والكتاب المنير: الهادي إلى الحق، وقيل: الزبر: أحاديث من كان قبلكم عن عكرمة ومقاتل والواقدي.
  · الأحكام: تدل الآية على صحة الحجاج في الدين؛ لأنهم لما أتوا بما حكى عنهم وجعلوه شبهة في ترك التصديق أجابهم اللَّه تعالى بالقاطع من إلزامهم المناقضة.
  وتدل على أن ما اقترحوا كانت مفسدة وإلا كان يأتيهم به، فإن آيات الأنبياء تتبع المصالح دون اقتراح الأمم.
  وتدل على أن تكذيبهم وقتلهم للأنبياء فعلُهم؛ لذلك ذمهم به وعاقبهم عليه، ولو كان خلقًا له تعالى لما صح، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.