التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور 185}

صفحة 1415 - الجزء 2

  غرورًا، ويجوز أن يكون جمع غار أي غافل، فقد يجمع فاعل على فعول كراقد ورقود، وساجد وسجود، وسواء الغارّ والمغترّ في المعنى وإن اختلفا في اللفظ والبناء ككاسب ومكتسب وفارق ومفترق، والغَرور بفتح الغين الشيطان.

  · النظم: يقال: كيف تتصل هذه الآية بما تقدم؟

  قلنا: لما تقدم صفة المؤمن المجاهد المنفق وصفة الكافر الباخل عقب ذلك بخطاب الجميع ونزول الموت بهم، وأن الجزاء يكون بعده تسلية للمؤمنين ووعدًا لهم ووعيدا للكفار عن أبي مسلم، وقيل: لما حكى تكذيب اليهود إياه وما اقترحوا عليه وما لحقه من أذاهم وأمره بالصبر بيّن أن موعدهم الموت وأنه يوفر عليهم الجزاء وأنه قريب، وبه تسلية له عن الأصم.

  · المعنى: «كُلُّ نَفْسٍ» يعني كل نفس حية «ذَائِقةُ الموْتِ» أي ينزل بها الموت لا محالة، فكأنه ذاقه، وقيل: أراد مقدمات الموت وشدائده كقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} يعني مقدماته، وعلى هذا قال ÷: «لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا اللَّه»، «وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يعني توفر عليكم جزاء أعمالكم يوم القيامة إذا بعثتم، «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ» أي بعّد عن نار جهنم وأدخل الجنة والألف واللام للتعريف «فَقَدْ فَازَ» أي نجا وظفر ببغيته، وقيل: من أدخل النار لم ينفعه ماله الذي بخل به، ومن أدخل الجنة لم يضره ما زوي عنه من الدنيا «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» أي الدنيا وحياتها وزينتها «إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» يعني متاعًا يمتع بها ثم يبطل لسرعة زوالها، جعل مثل الغرور الذي لا حاصل له، وقيل: الغرور الباطل، وقيل: آيات تزول ولا تبقى كالفأس والقدر والقصعة ونحوها، وقيل: كخضرة النبات عن