التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار 191 ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار 192 ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار 193 ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد 194}

صفحة 1428 - الجزء 2

  و (هَذَا) في قوله: «مَا خَلَقْتَ هَذَا» كناية عن الخلق، يعني ما خلقت هذا الخلق باطلاً.

  ونصب (باطلاً) قيل: بنزع الخافض، تقديره: بالباطل أو للباطل، وقيل: نصب لأنه المفعول الثاني، وقيل: هذا إشارة إلى المذكور أي ما خلقت ما ذكرت باطلاً.

  «سُبْحَانَكَ» نصب على المصدر أي سبحنا سبحانًا.

  «للإيمان» قيل: اللام بمعنى (إلى)، كقوله: {هَدَانَا لهذَا}.

  وخبر (إن) في قوله: «إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ» جملة مركبة من الشرط والجزاء، والأصل فيهما جملتان كل واحدة منهما من فعل وفاعل؛ لأن موضع (مَنْ) نصب فيدخل على معنى المفعول.

  ومعنى قوله: «أَنْ آمِنُوا» يحتمل أن يكون بمعنى (أيْ)، ويجوز أن تكون الناصبة للفعل؛ لأنه يصلح في مثله دخول الباء، نحو: ينادي بأن آمنوا.

  · المعنى: ثم وصف سبحانه ذوي الألباب الَّذِينَ تقدم ذكرهم فقال تعالى: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه» تقديره: أولي الألباب الذاكرين اللَّه «قِيَامًا وَقُعُودًا» قيل: هذا في الصلاة، يصلي قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، تخفيف من اللَّه تعالى عن علي # وابن عباس وإبراهيم وقتادة، وقيل: معناه في الصلاة وغير الصلاة عن ابن جريج، وقيل: أراد وصفهم بالمداومة عليه؛ لأن الإنسان لا يخلو من هذه الأحوال عن جماعة من المفسرين «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» أي يتفكرون في إحداثها وإمساكها وسائر الآيات فيها، وفي الأرض في إحداثها وفي بسطها وما أحدث فيها ليزداد بصيرة، «رَبَّنَا» فيه إضمار أي: ويقولون: ربنا، تقديره: يتفكرون قائلين أو يقولون ربنا «مَا خَلَقْتَ هَذَا» الخلق من السماء والأرض وما فيهما «بَاطِلاً» أي بالباطل، والباطل قيل: عبثًا وهزلاً، بل خلقته لأمر عظيم من محاسبة ومجازاة وثواب وعقاب، وقيل: خلقته حكمة وصوابًا ولغرض صحيح؛ دليلاً على