قوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار 191 ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار 192 ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار 193 ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد 194}
  وحدانيتك «سُبْحَانَكَ» تنزيهًا لك وبراءة مما لا يجوز عليك من صفات النقص وأن تخلق شيئًا باطلاً «فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» أي خلصنا منه.
  ومتى قيل: كيف يتصل هو بما قبله؟
  قلنا: فيه قولان:
  الأول: كأنه قيل: ما خلقت هذا باطلاً، بل تعريضًا للثواب بدلاً من العقاب «فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» بلطفك، الذي معه نتمسك بطاعتك.
  الثاني: اتصال الدعاء الذي هو طاعة بالاعتراف بالتوحيد الذي هو أصل الطاعات.
  «رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ» أي من عذبته في النار، وقيل: تدخله النار وتخلده فيها «فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ» قيل: أهنته، وقيل: أهلكته عن المفضل، وقيل: فضحته «وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ» من معين ينجيهم أو يدفع عنهم. «رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي» قيل: المنادي محمد ÷ عن ابن مسعود وابن عباس وابن جريج وابن زيد، وقيل: هو القرآن، حكى عن مؤمني الإنس كما حكى عن مؤمني الجن {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} عن محمد بن كعب القرظي وقتادة «يُنَادِي لِلإيمَانِ» أي يدعو إلى الإيمان «أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ» فيه محذوف يعني: وقال لهم آمنوا بَربكم «فَآمَنَّا» أي أجبنا الداعي وصدقناه فيما دعا إليه من التوحيد والدين. «رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا» أي يا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا «وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا» قيل: اغفر لنا ذنوبنا الماضية بالستر عليها بالعفو حتى لا نفتضح، وكفر سيئاتنا في الحال، وقيل: ذنوبنا فيما مضى وسيئاتنا في باقي عمرنا، وقيل: اغفر كبائرنا وكفر صغائرنا، وقيل: الغفران ما يقع ابتداء والتكفير ما يقع بالطاعة «وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ» أي: أَمِتْنا ونحن على أعمال الصالحين لتجعلنا معهم بعد الموت، والبر اسم جامع لكل خير «رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ» وإنما سألوا إنجاز الوعد وإن كان لا بد يفعله قيل: تعبدًا لما فيه من موقف الخاضع المحتاج كقول إبراهيم: {وَلَا تُخْزِني يَومَ يُبعثُونَ} وقيل: معناه اجعلنا ممن وعدته بالثواب دون العقاب بلطفك، وقيل: آتنا ما وعدتنا من النصر لنا وخذلان عدونا؛ لما فيه من إعزاز الدين، وقيل: إنه بمعنى الخبر، واختلفوا في الوعد، قيل: الثواب والجنة، وقيل: النصر على الأعداء «عَلَى رُسُلِكَ» أي علي ألسنة رسلك، وفيما أوحيته إلى رسلك