التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار 191 ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار 192 ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار 193 ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد 194}

صفحة 1430 - الجزء 2

  «وَلاَ تُخْزِنَا» قيل: لا تهلكنا، وقيل: لا تذلنا ولا تفضحنا «يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» لأنك صادق، ولا يجوز عليك الكذب.

  · الأحكام: تدل الآية على وصف المؤمنين بأنهم يذكرون اللَّه بألسنتهم، ويتفكرون بقلوبهم، وذلك غاية ما يفعله العبد في جميع الأحوال، وفائدة التفكر أشياء:

  أحدها: ما يحصل من المعرفة.

  وثانيها: ما يعلم من موقع نعمه تعالى عليه في المنافع ودفع المضار.

  وثالثها: ما يعلم من ثوابه وعقابه، فيحصل الإقدام على الطاعات، والانتهاء عن المعاصي.

  ورابعها: ما يعلم من الوعد والوعيد والثواب والعقاب وما مضت من المَثُلات فيكون لطفًا له.

  ويدل قوله: «رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً» على أن نتيجة التفكر الاعتراف بتوحيد اللَّه وعدله؛ لأن قوله: «مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ» يدل عليهما.

  وتدل على أنه تعالى لم يخلق باطلاً، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ: إنه خلق الكفر، وكل ذلك باطل.

  وتدل أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما لمنافع خلقه؛ لأنه يتعالى عن المنافع والمضار، وتفصيل منافعهما كثيرة، ولولاهما لما تم أمر الدين والدنيا.

  و «سُبْحَانَكَ» يدل على أنه لا يجوز عليه فعل القبيح، وتدل الآيات على تعليم الدعاء وكيف ينبغي للعبد أن يدعو، وأنه يجب أن يُقَدِّمَ التوحيد والثناء ثم يعقبه بالدعاء.

  ويدل قوله: «إِنَّكَ مَنْ تُدخل النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ» على بطلان قول المرجئة؛ لأنه تعالى قال: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} فدل علىِ أنهم لا يدخلون النار.

  وتدل على أن الظالم لا ينال الشفاعة؛ إذ لو نالها لكان الشفيع ناصرًا له.

  ويدل قوله: «لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» على بطلان قول المرجئة في [جواز] خلف الوعيد.