التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب 199}

صفحة 1436 - الجزء 2

  تصرفهم في البلاد، وقيل: تقلبهم في النعم في البلاد، وقيل: تصرفهم في البلاد مأخوذين بإجرامهم «مَتاعٌ قَلِيلٌ» أي تصرفهم في البلاد والنعم متاع، يتمتعون بها قليلاً ثم يزول، وسماه قليلاً قيل: بالإضافة إلى نعم الآخرة، وقيل: إنها قليل لانقطاعها «ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ» أي مصيرهم ومرجعهم الذي يأوون إليها جهنم «وَبِئْسَ الْمِهَادُ» أي الفراش، و «بئس» مجاز عند أبي علي؛ لأن الذم إنما هو على الأشباه، نحو: بئس الرجل، وهو حقيقة عند أبي القاسم؛ لأنه على وجهين: أحدهما من جهة الضر والآخر من جهة الإساءة في الفعل، ثم بين عاقبة المؤمنين فقال سبحانه: «لَكِنِ» وهو استدراك يعني بخلاف ما تقدمه، فكأن فيها [نفيا وإثباتا] نحو: ما قام زيد لكن عمرو، فمعناه ليس للكفار عاقبة خير، لكن للمؤمنين الَّذِينَ اتقوا معاصي اللَّه «لَهُمْ جَنَّاتٌ» بساتين بما فيها من النعيم «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا» أي من تحت أشجارها وأبنيتها «الأَنهَارُ» من الماء. وغيره «خَالِدِينَ فِيهَا» دائمين «نُزُلاً» أي إنزالاً من اللَّه لهم وكرامة منه أتاهم، وقيل: معناه أن اللَّه ينزلهم الجنة التي هذه صفتها «وَمَا عِنْدَ اللَّه» من الثواب «خَير لِلأبرَارِ» من الدنيا ونعيمها؛ لأن ذلك دائم صاف وهذا فانٍ مشوب.

  · الأحكام: تدل الآية على أن نعيم الدنيا لا ينال استحقاقًا، وألا يغتر بحال من نالها وإن عظم؛ لأنه قليل في جنب الآخرة وإن عاقبته النار.

  وتدل على أن الجنة تنال بالتقوى وتحمل المشاق خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  وتدل أن الجنة خير عن الدنيا، وذلك لوجوه: منها كثرة نعيمها عما يكدرها، ودوامها، إلى أمثال ذلك عن الوجوه.

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ١٩٩}