التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا 6}

صفحة 1460 - الجزء 2

  · المعنى: لما منع من دفع المال إلى السفهاء وأمر بدفعه إلى الأيتام بَيَّنَ الحد الفاصل، وبيّن ما يحل من ذلك للولي وما لا يحل، فقال تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى» خطابًا للقيم بأمر اليتامى من وصي أو حاكم أو أمين من جهته؛ أي اختبروا وجربوا عقولهم وصلاحهم لمالهم عن ابن عباس والسدي، وهو قول أبى حنيفة، وقيل: اختبروا عقولهم ودينهم عن الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد؛ لأن خلاعته إن كانت تؤدي إلى إتلاف ماله فإنه لا يدفع إليه «حَتَّى إِذَا بلَغُوا النّكَاحَ» قيل: الحلم عن ابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد، وتقديره: حتى إذا بلغوا حال النكاح من الاحتلام، وقيل: حد النكاح والحاجة إليه، وهو أن يبلغ مبلغ الرجال والنساء «فَإِنْ آنَسْتُمْ» قيل: عرفتم عن ابن عباس، وقيل: أبصرتم «مِنْهُمْ» من اليتامى «رُشْدًا» فيه ثلاثة أقوال:

  الأول: الصلاح في العقل والدين عن الحسن وقتادة.

  والثاني: العقل خاصة عن قتادة.

  والثالث: الصلاح في العقل وحفظ المال عن ابن عباس والسدي، قال علي بن عيسى: وهذا أصح للإجماع؛ لأنه لا يجوز الحجر على الفاسق الذي ماله في يده، فكذلك الفاسق الذي ماله في يد وليه، فعلق دفع المال إليه بشيئين: البلوغ والرشد، ولا خلاف فيه، وإنما الخلاف في كيفية البلوغ والرشد على ما نبينه «وَلَا تَأْكُلُوهَا» خطاب للأولياء، يعني يا معاشر الأولياء لا تأكلوا أموال اليتامى «إِسْرَافًا» قيل: في حال الإسراف بأن أكلكم مالهم إسراف منكم، وقيل: كلوا القوت على قدر نفعكم إياهم، ولا تسرفوا في الأكل إسرافًا «وَبِدَارًا» يعني مبادرة «أَنْ يَكْبَرُوا» وفيه ضمير؛ أي حذر كبرهم، يعني خوفًا من أن يكبروا فيلزمهم تسليم المال إليه، ثم بين ما يحل للولي وما لا يحل فقال تعالى: «وَمَنْ كَانَ غَنِيًا فَلْيَسْتَعْفِفْ» قيل: فليستعفف بغناه عن مال اليتامى عن ابن عباس وإبراهيم، ولا يأكل من مال اليتيم «وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأكلْ بِالْمَعْرُوفِ» أي من كان محتاجًا فليأكل، قيل: فليأكل من مال نفسه بالمعروف دون مال اليتيم عن