قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا 6}
  وتدل على أنه يُشْهِدُ عند دفع ماله إليه، قال القاضي: وتدل على أنه إذا دفع المال إليه لإيناس الرشد ثم تغيرت حاله إلى فقد الرشد أنه يحجر عليه؛ لأن العلة واحدة، والغرض حفظ ماله، فلا فرق بين الحالين كما في الجنون، ونحن نبين الكلام في فصل من هذه الفصول، وعلى طريق الإيجاز.
  أما الفصل الأول: وهو وجوب الابتلاء اختلفوا كيف يبتلى؟ فقيل: يدفع إليه بعض ماله، ويؤذن له في التجارة إذا قارب البلوغ، وقيل: يضم إليه غيره ومعه شيء من ماله، ويجرب في البياعات على ألا ينفرد بشيء من ذلك، وقيل: يجرب في الأمور وإن لم يكن [له] تصرف في ماله؛ لأن ذلك ممكن.
  وأما الفصل الثاني: وهو بلوغ النكاح، والمراد وقت البلوغ بالإجماع، والبلوغ يقع بخمسة أشياء مختلف فيها، ومتفق عليها، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء، واثنْان تخص النساء.
  أما الثلاثة: فالاحتلام وما في معناه، وهو رؤية المني على أي حال كان، وفيه إجماع، ونطق به الكتاب في قوله: {مِنكُمُ الحُلُمَ}.
  والثاني: السن، فعند أبي حنيفة: في الجارية سبع عشرة سنة، وفي الغلام روي سبع عشرة سنة، وروي - ثماني عشرة سنة، وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي: فيهما خمس عشرة سنة، وعند مالك وداود الاعتبار بالسن، ثم اختلفا، فقال مالك: بأن تظهر أمارات البلوغ، كغلظ الصوت، وانشقاق الأرنبة ونحوها، وقال داود: لا يبلغ ما لم يحتلم وإن كان بلغ أربعين سنة.
  الثالث: الإنبات، وهو ظهور الشعر الخشن حول الفرج، فعند أبي حنيفة لا يتعلق به حكم، وفي أحد قولي الشافعي يظهر به البلوغ، وهو مذهب الزيدية.
  وأما الثنتان: فالحيض والحبل، وقيل: بأن الحبل لا يكون إلا بعد الاحتلام فيعود إلى معنى واحد.