قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا 6}
  والفصل الثالث: إيناس الرشد، واختلفوا فيه فقال بعضهم: أن يظهر منه العقل والدين، وهو قول الشافعي واختيار القاضي، ويرى الحجر على الفاسق وإن كان رشيدًا في ماله، ومنهم من قال: العقل وحفظ المال، وهو قول أبي حنيفة فيعتبر حفظ المال ولا يعتبر الدين، فلا يرى الحجر على الفاسق، ثم إذا بلغ مفسدًا لماله فعند أبي حنيفة لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإذا بلغ ذلك دفع إليه على كل حال، وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: لا يدفع.
  واختلفوا إذا بلغ مصلحًا، ثم تغير، فعند أبي حنيفة لا يحجر عليه، وعند أبي يوسف يحجر عليه، وعند محمد صار محجورًا بالتبذير، وإذا وجب على الولي حفظ مال اليتيم حتى يؤنس رشده، فيدل على أنه يجب على القاضي حفظ مال الغائب والمفقود؛ لأنه أوكد حالاً.
  فأما الفصل الرابع: الأكل بالمعروف فقد بينا الخلاف فيه، ومن البعيد أن يقال:
  إنه يأكل من مال نفسه؛ لأن الذي جرى ذكر مال اليتيم، ولأنه يستوي فيه الغني والفقير، ويبعد أيضًا أن يقال: لا يأكل مع قوله: «فليأكل» ويبعد رده؛ لأن الظاهر لا يقتضيه، ويبعد أن يباح الأكل ولا يباح اللبس وغيره مما يحتاج إليه؛ لأن كل موضع يباح أحدهما يباح الآخر كالرزق في بيت المال، ومتى منع أحدهما منع الآخر كالغني، فلم يبق إلا أنه يباح له من ذلك مقدار أجرة عمله، وذكر الأكل قيل: لأنه معظم المنافع، وقيل: لأنه يطلق ويراد به سائر وجوه الإنفاق، ثم في تقدير ذلك يَرْجعُ إلى القاضي أو إلى اجتهاده.
  ومتى قيل: فوجب أن يستوي فيه الغني والفقير كأرزاق الحكام والأئمة.
  فجوابنا: أن المتقدمين اختلفوا فيه فروي عن علي # وأبي بكر وعمر، أن الإمام يتناول من بيت المال للحاجة، ثم هذا إباحة وليس بتمليك فجاز أن يختلف فيه الغني والفقير كالمضطر واللقطة وإيجاب النفقة لذوي الأرحام.
  ومتى قيل: فهلا قلتم: إنه منسوخ بقوله: «إِنَّ الَّذِينَ يأكلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا».