التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا 9}

صفحة 1471 - الجزء 2

  على حفظ ماله لورثته، ولا يدعهم عالة مع ضعفهم، وقيل لهم كما تحبون لورثتكم فأحبوا لورثة غيركم، وهذا معنى قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي والضحاك ومجاهد، وقيل: هو خطاب لمن يحضر المريض فيقول: اتق اللَّه ولا توص وأمسك مالك على ولدك، وينهاه عن الوصية، وذوي القربى واليتامى والمساكين ولو كان هو الموصي يسره أن يوصي فنهوا عن ذلك عن مقسم وأبي مالك الحضرمي، وقيل: هو خطاب للولاة، يقول: من كان في حجره اليتيم فليخش اللَّه وليقل خيرًا، وليفعل خيرًا، وليَأْتِ لله ما يحب أن يُفْعل بذريته من بعده عن ابن عباس بخلاف.

  ومعنى الآية: «وَلْيَخْشَ» أي وليخف «الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ» قيل: الموصي إلى اليتيم، وقيل: الذي يحضر الموصي عند الوصية «ذُرِّيَّة» أولادًا «ضِعَافًا» أي صغارًا لا يمكنهم القيام بأمورهم «خافوا عَلَيهِمْ» قيل: الضياع، وقيل: العيلة «فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ» في ذرية الغير ما يتقون في ذرية أنفسهم، وقيل: فليتقوا اللَّه في النهي عن الوصية «وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا» أي سليمًا عدلاً لا يكون فيه بخس لحق الميت ولا لحق الورثة.

  · الأحكام: الآية تدل على تأديب المريض ومن يحضره وولي اليتيم بأن يتقي اللَّه، وأن يصور نفسه بدلاً منه حتى ينزل به الموت وله ذرية ضعفاء فينصحه بما لا يكون فيه بخسٌ بحق الورثة والميت، والأولى أن يحمل على الجميع؛ إذ لا تنافي بينهما.

  وتدل على أنه ينبغي أن يقول الجميع القول السديد، والقول السديد ما يوافق الشرع.

  وتدل على أن الواجب أن يحب للمسلمين ما يحب لنفسه ويحب لغيره، وأن يؤثر إلى ذريتهم ما يحب لنفسه وذريته.