التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم 1}

صفحة 203 - الجزء 1

  · المعنى: أمر اللَّه تعالى بذكر التسمية في أوائل الأمور وجميع الأوقات، فقال تعالى: {بِسْمِ اللَّه} قيل: معناه: الذي تحق له العبادة، وعلى هذا لا يسمى به غيره، ويسمى اللَّه به لم يزل، وإنما تحق له العبادة لقدرته على أصول النعم وفروعها، عن أبي علي وجماعة. وقيل: معناه: أنه مَفْزَعُ للخلق، وهو يجيرهم، عن الضحاك.

  وقيل: معناه: أنه تتحير العقول في كنه عظمته، كما يقال للمكتوب: كتاب، عن أبي عمرو بن العلاء. وقيل: معناه: أن الخلق يسكنون إلى ذكره، عن المبرد. وقيل: معناه: أنه يَرَى ولا يُرى. فأما من قال: معناه: المعبود فقد أخطأ؛ لأن غيره عُبِدَ، وليس بإله. ومن قال: إنه المستحق للعبادة يلزمه ألا يكون إلها في الأزل، وهذا خطأ، و {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قيل: معناهما واحد، وهو ذو الرحمة، كَنَدْمَان ونديم، وقيل: بينهما فرق، ولذلك يسمى غيره رحيما، ولا يسمى رحمانًا، ثم اختلفوا فقيل: الرحمن: الرازق لجميع خلقه، والرحيم: الغافر لجميع المؤمنين، وقيل: الرحمن: فاعل أصول النعم التي لا يقدر عليها غيره كالصورة والحواس والحياة والشهوة والأرزاق. والرحيم: ذو الرحمة، وقيل: الرحمن بالخلق، والرحيم بالرزق.

  ومتى قيل: لماذا جمع بينهما؟

  قلنا: للمبالغة بصفته بالرحمة؛ ليُعْلَمَ أن النعم كلها منه، وقيل: لأن العرب كثير في لغتهم لفظ، (اللَّه)، ولم يعرفوا «الرحمن»، فجمع بينهما ليعلم أن اللَّه والرحمن والرحيم كلها صفات وأسماء له تعالى، وقيل: لأن في التوراة ذِكْرُ الرحمن أكثرُ، وفي الإنجيل ذِكْرُ الرحيم أكثر، وفي القرآن ذكر اللَّه أكثر، فجمع ليعلم أن الكل يعود إلى اللَّه تعالى.

  ومتى قيل: لم قدم ذكر الرحمن؟