التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما 23}

صفحة 1511 - الجزء 2

  ونشير في كل فصل إلى ما لا بد منه، فإن الآية لا تكاد تتضح إلا بذاك.

  فمنها: ما يحرم بالنسب، كقوله «أمهاتكم» تدخل فيه الأم والجدات من قبل الأب والأم «وبناتكم» يدخل فيه البنت وبنت البنت، وبنت الابن، وإن سفلن. وقوله: «وأخواتكم» يدخل فيه الأخوات من أي جهة كن. وقوله: «وَبَنَاتُ الأخ وَبَنَاتُ الأختِ» يدخل فيه بناتهم وإن سفلن، فحرم أولاد الأب كما حرم أولاد نفسه، ثم حرم أولاد الجد وهما العمة والخالة، ووقف التحريم عليهما، فيحل ولد العمة والخالة، ولما كان ذكر الأمهات والبنات يتناول من علا ومن سفل اقتصر على ذكرهما، ولما كان ذكر الأخوات لا يتناول أولادهم أفرد هم بالذكر.

  ومنها: تحريم الرضاع والمنصوص عليه الأم والأخت إلا أنه ينبه على ما سواه ممن يحرم بالنسب؛ لأنها إذا صارت أمًا بالرضاع وأختًا كذلك يصير ولدًا وأبا وعمة وخالة ولهذا قال ÷: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وهذا فصل جامع؛ لأن من أرضعت صبيًا يتصل التحريم من جانبها وجانب زوجها كما يتصل لو ولدته.

  والكلام في الرضاع يشتمل على فصول:

  أولها: فقيل: وقته سنتان عن أكثر أهل العلم، وهو قول أبي يوسف ومحمد، واستدلوا بقوله: {حَولَين كَامِلَينِ} وقيل: سنتان ونصف عن أبي حنيفة، وقيل: سنتان وشهر عن مالك، وقيل: ثلاث سنين عن زفر، واتفقوا أن رضاع الكبير لا يحرم إلا ما روي عن عائشة، وقد يسقط الخلاف فيه.

  وثانيها: قدر الرضاع، فقيل: قليلهُ وكثيره يُحرم، وهو قول ابن عمر وابن عباس والمروي عن علي #، وعليه أكثر الصحابة والتابعين، وقيل: لا بد من عدد، ثم اختلفوا فقيل: المُحرم خمس رضعات، وهو مذهب عائشة، وإليه ذهب الشافعي، وقيل: ثلاث رضعات، وظاهر الآية يدل على القول الأول، وهو مذهب أهل العراق.