التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما 24}

صفحة 1518 - الجزء 2

  لم يطلقها فالنكاح ثابت، وكذلك لا يجوز نكاح المعتدة من غيره، وهو في ذلك بمنزلة صلب النكاح.

  ويدل قوله: «إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» أن المسبية تحل وإن كان لها زوج في دار الحرب، ولا خلاف في ذلك، واختلفوا متى تحل؟ فقال أبو حنيفة: لا عدة لها وتحل من غير اعتبار عدة، وقال الشافعي: بعد انقضاء العدة وعليها العدة، واختلفوا فقال أبو حنيفة: إذا اختلفا في الدار بانت، وقال: المهاجرة يجوز أن يتزوج بها، وعند الشافعي لا تأثير لتباين الدار، إنما التأثير لتباين الدِّين أو الرق، واختلفوا إذا سبيا معًا، فقال أبو حنيفة: لا تبين، وقال الشافعي: تبين؛ لأن عندنا التأثير لتباين الدِّين والبلد ولم يوجد، وعنده لحدوث الرق.

  وقوله: «وَأُحِلَّ لكمْ» قد بينا ما قيل فيه، ثم اختلفوا فقيل: نسخ منه الجمع بين بنت العمة وبنت الخالة، وبنت الأخ وبنت الأخت، ومنهم من قال: لا نسخ فيه، ثم اختلفوا، فمنهم من قال: بيان الرسول لم يتأخر عن وقت الخطاب فلا ضرورة بنا إلى النسخ، ومنهم من قال: فإن تأخر الخبر فهو عليه مرتب فلا يعد نسخًا، ومنهم من قال: في الآية تنبيه على ما وردت به السنة، وهو تحريم الجمع بين الأختين على ما بينا فصار الخبر مؤكدًا له، فأما إذا تأخرت السُّنَّةُ فلا وجه لمنع النسخ؛ لأن البيان لا يتأخر، فإذا لم يعلم تاريخ فالعام يترتب على الخاص فلا نسخ، وعند أبي علي والأصم لا يجوز تأخير البيان ولا يترتب العام على الخاص، فلا بد من نسخ.

  وتدل على أن عقد النكاح لا يخلو من مال لقوله: «أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ» فيدل على مسائل:

  منها: أن قليل القدر لا يكون مهرًا لأن حَبَةً لا تسمى مالاً، ويجب أن يكون مقدارا على ما يقوله أبو حنيفة، ثم يرجع في تقديره إلى الشرع، وروي عن علي وجماعة أن أقله عشرة دراهم، وروي ذلك مرفوعًا، والمقادير لا تعلم قياسًا، فلا بد من حمله على التوقف.

  ومنها: أن ما لا يكون مالاً لا يصح أن يكون مهرًا نحو الخمر والخنزير، وتعليم شيء، ومنافع الأحرار خلاف ما يقوله الشافعي؛ لأن شيئًا من ذلك لا يسمى مالاً.

  ويدل قوله: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ» أن المقصود من النكاح الاستمتاع، وأنه يبيح الاستمتاع، فإذا لم يحصل الاستمتاع لا يصح العقد كأخته من الرضاعة والمجوسية والثنوية.