التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما 32}

صفحة 1537 - الجزء 2

  وقيل: لما جعل الله تعالى الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين قالت النساء: نحن أحوج لأنا ضعفاء، وهم أقدر على طلب المعاش، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية.

  وقال مجاهد: قالت أم سلمة: يا رسول اللَّه، يغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث، فليتنا كنا رجالاً، فنزلت الآية.

  وقال قتادة والسدي: لما نزلت آية المواريث قال الرجال: نرجو أن نفضل على النساء في الآخرة كما فضلنا في الميراث، وقالت النساء: نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال كما في الميراث، فنزلت الآية.

  · المعنى: لما بين حكم المواريث في النكاح، وفضل الرجال على النساء، وفضل بعض الرجال على بعض، نهى عن التحاسد الذي هو سبب التباغض والعداوة، قوله تعالى: «وَلاَ تَتَمَنَّوْا» ولا تشتهوا «مَا فَضَّلَ اللَّه بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ» يعني ما أعطاه من المال والنعمة؛ لأنه يكون حسدًا، وينبغي أن يتمنى أن يكون له مثله، ولا يتمنى أن يكون له ماله، ولأنه تعالى أعلم بالمصالح فيؤتي كل أحد بحسب مصالحه، ولأنه يجب عليه الرضا بما آتاه اللَّه، فإذا تمنى مال غيره لم يرض، وقيل: هو سائر وجوه الفضل كما أعطى الرجال دون النساء، وأعطى بعضهم دون بعض من القدرة والآلات والنعم «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ» قيل: لكُل حظّ من الثواب يستحقه بحسن لطف اللَّه وتدبيره، فلا تتمنوا خلاف ذلك التدبير، وقيل: لكل جزاء ما اكتسب فلا تضيعه بتمني مال غيرك؛ لأنه مما يؤدي إلى إبطال عمله، تقديره: لا تضيع مالك بتمني مال غيرك، وقيل: لكل فريق نصيب مما اكتسب من نعم الدنيا، فينبغي أن يقنع ويرضى بما قسم اللَّه له، وقيل: لكل نصيب من الثواب والعقاب عن قتادة، وقيل: لكل نصيب من الميراث على ما قسمه اللَّه تعالى عن ابن عباس.

  والاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة والإحراز، وقيل: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان، فأبطل اللَّه ذلك بهذه الآية، وبين أن لكل واحد منهم نصيبا ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا كان أو كبيرًا، وقيل: نصيب من الخير، والشيء لا يضيع