قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا 43}
  والرابع: الكلام في التيمم وشرائطه وما ينقضه، وكل فصل منها يشتمل على مسائل كثيرة، ونحن نشير إلى جملة وجيزة في كل فصل؛ لأن الكلام في الآية لا يكاد يتضح إلا بمعرفة جمل منها.
  *فصل في السكر
  الكلام فيه يتنوع:
  فمنها: الكلام في أن السكر مِنْ فِعْلهِ تعالى لا صنع للعبد فيه، وليس بطبع للشراب موجب بدليل أنه لا يقع بحسب قصده ودواعيه، ولا ينتفي بحسب كراهته، وأما الطبع فلا يعقل، ولو كان فيه علة موجبة لكان يحصل في أول الشرب، والسكر فيه كالنوم والإغماء والجنون.
  ومنها: أنه تعالى يفعله عقيب الشرب للعادة كما يخلق الولد عند الوطء، والنبات عند إلقاء البذر، والشبع عند الأكل، والري عند الشرب، والإسهال عند الدواء، وكذلك تختلف العادات فيه.
  ومنها: أنه في حال السكر هل هو مخاطب أم لا؟ فالأكثر على أنه ليس بمكلف في حال سكره، وهو مذهب أصحاب الشافعي واختاره القاضي، ويجعلون عقوده وإقراراته بمنزلة أقوال الصبي، ومنهم من قال: إنه مكلف حتى يقع طلاقه وعتاقه، واتفقوا أنه يؤخذ بالغرامات المالية.
  ومنها: أنه يحد عند السكر على ماذا؟ فالمحققون يقولون: إنه يحد لشرب القدح المسكر إذا شربه والعقل ثابت، ومن يقول بتحريم القليل والكثير يقول: يحد على الشرب فلا حد على السكر بالاتفاق، ولأن الحد يجري مجرى العقوبة، والسكر فعل اللَّه تعالى فلا يستحق عليه العقوبة.
  ومنها: كيفية السكر، فقد قيل: إنه الذي يختل معه عقله حتى لا يدري ما يقول عن أبي علي، ولذلك قال تعالى: «حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقولُونَ» وقد استدل علي بن موسى القمي بهذه الآية على أن في الصلاة قراءة واجبة خلاف قول ابن علية.