التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا 43}

صفحة 1571 - الجزء 2

  ومنها: أن هذا الخطاب متى يتوجه إليه؟ فقد قيل: إنه خطاب ولا سكر فكأنه منع مما يؤدي إلى السكر، وعلى هذا الوجه قال السلف: إنه حرم السكر بهذه الآية، والخمر بالآية في سورة المائدة كما حكينا عن مجاهد وقتادة، وقيل: نهوا عن حال السكر وإن لم يختل العقل اختلالاً يؤثر في الأمر والنهي، وقيل: إنه بالنهي أوجب الإعادة عن أبي علي استدل بالآية على أن صلاة السكران لا تصح، والإجماع على أنه يلزمه القضاء.

  ومنها: تصرفات السكران، فلا خلاف أنه يؤخذ بالاستهلاكات والقتل والحدود، ولا خلاف أن بيعه وشراءه وأقاريره لا تصح، واختلفوا في طلاقه وعتاقه، فعند أهل العراق يقع، وعند الشافعي لا يقع.

  *فصل في الجنابة

  الكلام فيه على وجوه:

  فمنها: أسباب الجنابة، وهي أربعة: الإنزال على أي وجه كان، والإيلاج حتى يلتقي الختانان، وفيه اتفاق وكان في الصحابة من يخالف، ثم زال الخلاف، والحيض، والنفاس.

  ومنها: أحكام الجنب: لا يصلي، ولا يطوف، ولا يقرأ القرآن، ولا يمس المصحف، ولا يدخل المسجد، وإن اجتنب فيه تَيَمَّم، ثم يخرج، وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي: يمر ولا يقعد.

  ومنها: تطهير البدن: فالآية تدل على وجوب غسل جميع البدن، والسنة وردت بذلك في قوله: «تحت كل شعرة جنابة، فبلوا الشعر وأنقوا البشر».

  ومنها: أن الجنابة تبقى ما لم يغتسل، والتيمم لا يرفع الجنابة ولا الحدث.

  ومنها: أن الجنب هل يتيمم إذا لم يجد الماء؟ وكان يجري في الصحابة خلاف فيه، فكان عمر وابن مسعود لا يريان التيمم، وباقي الصحابة يجوزون، ثم زال الخلاف، واستقر مذهب العلماء على جوازه.