قوله تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا 46}
  والطعن بالرمح، ومنه طعن اللسان، ويقال: تطاعنوا في الحرب، وفلان يطعن في فلان مأخوذ منه.
  · الإعراب: يقال: ما معنى (مِنْ) ههنا، وبأي شيء يتصل؟
  قلنا: فيه قولان:
  أحدهما: أن يتصل ب (الَّذِينَ)، ويكون بيانًا له عن أبي مسلم، ويكون العامل فيه «أوتوا» وهو في صلة (الَّذِينَ)، وتقديره: ألم تر إلى الَّذِينَ أوتوا نصيبًا من الكتاب من الَّذِينَ هادوا، ويجوز ألا يكون في الصلة كما تقول: انظر إلى النفر من قومك ما صنعوا.
  الثاني: أن يكون على الاستئناف عن الأصم وجماعة، وتقديره: الَّذِينَ هادوا قوم يحرفون، وهو قول الزجاج، وقيل: فيه محذوف تقديره: من الَّذِينَ هادوا مَن يحرفون فحذف «مَنْ» عن الفراء، وأنكر أبو العباس والزجاج ذلك؛ لأن (مَنْ) يحتاج إلى صلة، أو صفة تقوم مقام الصلة فلا يحسن ذلك كما لا يحسن حذف بعض الكلمة.
  «واسمع غير» نصبت (غير) على الحال، ومعناه: اسمع لا سمعت.
  «وراعنا» من نَوَّنَها جعل كلمة الأمر موضعه كقولك رويدًا وهنيئًا مريئًا، ومن لم ينون جعلها عن المراعاة كقوله: قاضِنَا، إذا أَمَرْتَ من المقاضاة.
  و «ليا» نصب على المصدر تقديره: يلوون ألسنتهم ليًا.
  «وطعنا» نصب على المصدر، أي يطعنون في الدين طعنًا.
  «خيرا» نصب لأنه خبر (كان) تقديره: لكان ذلك القول خيرًا لهم وأَقْوَمَ.
  «فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا» تقديره: لا يؤمنون قليلاً، فهو مفعول به إلا أن (إلا) دخلت فينتفي الإيمان إلا قليلاً.
  · النزول: عن ابن عباس نزلت في ناس من اليهود كانوا يأتون النبي، ÷ فيخبرهم، ويرى أنهم يأخذون بقوله، فإذا انصرفوا حرفوا كلامه.