التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا 46}

صفحة 1578 - الجزء 2

  · المعنى: ثم بين تعالى صفة من تقدم ذكرهم فقال سبحانه: «مِنَ الَّذِينَ هَادوا» أي مَن تقدم ذكرهم بأنهم اشتروا الضلالة من اليهود على الاستئناف: أي: من اليهود فرقة وطائفة «يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ» يبدلون التوراة عن معانيها، وتحريفهم: ما أزالوه عن جهته وكتموه من تنزيله عداوة لرسول اللَّه ÷ وحسدًا له، وقيل: يحرفون بسوء التأويل والتقديم والتأخير عن أبي علي وجماعة والأول جائز؛ لأنهم طائفة قليلون يجوز عليهم التواطؤ فيغيرون التنزيل «وَيَقُولُونَ» يعني هَؤُلَاءِ اليهود يقولون للرسول ÷ عند تلاوة كتاب اللَّه وبيان شرائع الإسلام: «سمعنا» قولك «وَعَصينَا» أمرك، وهذا يحتمل أنهم قالوا ذلك عند غيبتهم عنه، ويحتمل أنهم قالوا بحضرته معتمدين على احتمال كلامهم معنيين، فيقصدون الاستخفاف ولا يظهرون، ويحتمل أنهم قالوا في وقت أمن من سطوة المؤمنين، فإن الأحوال كانت تختلف «وَاسْمَعْ غَيرَ مُسْمَعٍ» قيل: اسمع غير مسمع منك، وقيل: اسمع غير مجاب لك ولا مقبول منك عن الحسن ومجاهد كأنه قيل: غير مسمع إجابتك، أو غير مجاب إلى ما تدعونا إليه، وقيل: هو دعاء كقولهم: اسمع لا سَمِعْتَ عن ابن عباسٍ وابن زيد، وأرادوا الدعاء عليه بالصمم عن أبي مسلم وأبي علي، وقيل: كانوا يقصدون الاستخفاف، ثم يقولون لعوامهم: لو كان نبيًا لكان يُعْلِمُهُ اللَّه بما نقول، وإذا سمعه المسلمون قالوا: نريد غير مُسْمَع بمكروه وأذى «وَرَاعِنَا» قيل: كانت هذه اللفظة سبًّا في لعنهم فأطلع اللَّه تعالى نبيه ÷ على ذلك، ونهاهم عن إطلاقه، وقيل: كان يجري منهم على حد الهُزْءِ والسخرية، وقيل: كانوا يقولون ذلك على حد التكبر، كما يقال: أنصت لكلامنا وتفهم عنا، وقيل: كانوا يريدون بذلك راعنا، يعني يرعى مواشينا استخفافًا عن أبي علي والقاضي «لَيًّا». يعني يلوون ألسنتهم بذلك الكلام استخفافًا وهزءًا «وَطَعنًا فِي الدّينِ» أي قَدْحًا في الإسلام، وقيل: قد جادلوا في نبوتك بقولهم: لو كان نبيًّا لعرف مرادنا «وَلَوْ أَنَّهُمْ» يعني هَؤُلَاءِ اليهود «قَالُوا» للرسول «سَمِعْنَا» كلامك «وَأَطَعْنَا» أمرك «وَاسمعْ» قولنا «وَانظُرْنَا» قيل: انظر إلينا عن أبي مسلم، وقيل: انتظرنا نفهم عنك عن الأصم «لَكَانَ خَيرًا لَهُمْ»