التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا 47}

صفحة 1579 - الجزء 2

  أي لو قالوا هذا بدل ما قالوا لكان خيرًا، يعني أنفع عاجلاً وآجلاً «وَأَقْوَمَ» أي أعدل وأصوب في الكلام من الكفر والطعن في الدين، وقيل: لكان خيرًا لهم في كتمان أمر النبي ÷، وقيل: كان خيرًا لهم مما عابوا به النبي ÷ والمسلمين «وَلَكن لَعَنَهُمُ اللَّهُ» قيل: أخزاهم اللَّه، وقيل: حكم ببعدهم عن الجنة «بِكُفْرِهِمْ» أي ذلك الخزي واللعن بسبب كفرهم، وقيل: لعنهم اللَّه بكفرهم أي خذلهم اللَّه لكفرهم، أن لم يكن لهم لطف من اللَّه ولا معونة، «فَلاَ يُؤْمِنُونَ» إخبار عن أحوالهم في المستقبل أنهم لا يصدِّقون «إِلَّا قَلِيلًا» قيل: لا يؤمن منهم بك إلا القليل عن أبي علي وأبي مسلم، وقيل: هو عبد اللَّه بن سلام ونحوه، وقيل: لا يصدقون بكتابهم إلا بالقليل منه، وقيل: لا يؤمنون إلا إيمانًا قليلاً، وهو إيمانهم بأن اللَّه خالقهم ورازقهم، وإيمانهم بموسى والتوراة.

  · الأحكام: تدل الآية على أن مِنْ اليهود مَنْ حَرَّفَ، والظاهر تحريف اللفظ، لكن الأكثر من شيوخنا حملوه على تحريف التأويل؛ لامتناع التواطؤ في التحريف وامتناع التحريف على ما تواتر نقله، كما يمتنع في القرآن إلا أن في هذا نظرا، فإن كان نقل التوراة كنقل القرآن فكلامهم ظاهر، فلا بد من حمله على ما قالوا، وإن لم يكن كذلك فغير ممتنع أن يقع منهم التحريف، وأبو علي حمله على أنهم حرفوا على عوامهم بسوء التأويل.

  وتدل على أن كل لفظ يوهم معنى فاسدًا فإنه لا يجوز إطلاقه، وإن كان يحتمل معنى صحيحًا أيضًا.

  وتدل على معجزة لنبينا ÷ حيث أخبر عن سرائرهم، ولا شك أن اللَّه أطلعه عليه.

  وتدل على لعن اليهود وأنهم استحقوا ذلك بكفرهم، فتدل على جزاء الأعمال خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ٤٧}