التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا 47}

صفحة 1581 - الجزء 2

  كنت أرى أن أَصِلَ إليك حتى يتحول وجهي في قفاي، وسمع كعب من عمر هذه الآية فقال: يارب آمنت، يارب أسلمت.

  · المعنى: لما تقدم ذكر أهل الكتاب عقبه بذكر التخويف والتحذير فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» أي أُعطوا علم الكتاب، قيل: خطاب لليهود، وقيل: لأهل الكتاب «آمِنُوا» صدقوا «بِمَا نَزَّلْنَا» يعني القرآن «مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ» قيل: تصديق التوراة بأنه حق، وقيل: محققًا بصفة النبي ÷ في التوراة موافقًا له «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا» اختلفوا فيه على قولين، منهم من حمل على الطمس في الخِلْقَةِ، ومنهم من حمل على غيره وجعله توسعًا، فأما من قال بالأول فاختلفوا، فقيل: بمحو آثارها حتى تصير كالأقفاء، ويجعل عيونها في أقفائها، فيمشي القهقرى عن ابن عباس وعطية العوفي وقتادة، وقال ابن عباس: نجعلها كخف البعير وحافر الدابة، وقيل: من قبل أن نمحو وجوهكم، ونصيرها في أدبارها كالأقفية في الآخرة عقوبة عن أبي علي وأبي مسلم، وقيل: نمحو الحواس التي في وجوهكم فتصير كالأقفاء عن [القتبي]، وقيل: نجعل الوجوه منابت الشعر كوجوه القردة عن الفراء، وقيل: المراد بالوجه العين، يعني نجعل عينها من قبل الأقفاء عن قتادة والضحاك، وقيل: من قبل أن نغير خلقهم بالمسخ. فأما من لم يحمله على طمس الخِلْقَةِ فاختلفوا، فقيل: نطمسها عن الهدى فنردها على أدبارها، أي في ضلالتها ذمًا لها؛ بأنها لا تفلح أبدًا عن الحسن ومجاهد والضحاك والسدي، وقيل: يعقبهم العمى فيما يدينون به فيتحيرون ويزولون عن المعرفة عن الأصم، فوعدهم إما بنزول عقاب يفضحهم، أو حيرة في الدين، وقيل: حتى يمحو آثارهم من وجوههم، أو نواحيهم التي هم بها فنردها على أدبارها، حتى يعودوا إلى حيث جاءوا، وهو الشام، وحمله على إجلاء بني النضير إلى أريحا من الشام عن ابن زيد.

  فإن قيل: على القول الأول وهو الحقيقة كيف أوعد ولم يفعل؟

  قلنا: فيه أجوبة: