التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا 47}

صفحة 1582 - الجزء 2

  أحدها: أنه يفعل بهم في الآخرة عن أبي علي.

  وثانيها: أن هذا الوعيد باق منتظر لا بد من طمس في اليهود ومسخ قبل قيام الساعة عن المبرد.

  وثالثها: أن هذا كان وعيدا لهم لو لم يؤمن واحد منهم، فأمَا وقد آمن جماعة منهم فرفع عن الباقي، فممن أسلم عبد اللَّه بن سلام، وثعلبة بن شعبة، وأسد بن شعبة، وأسد بن عبيد، ومخَيريق وغيرهم، وأسلم كعب أيام عمر.

  «أَوْ نَلْعَنَهُمْ» أي نخزيهم ونعذبهم عاجلاً عن أبي مسلم، وقيل: نمسخهم قردة عن الحسن وقتادة والسدي، وإنما قال: نلعنهم، وقد تقدم خطابهم لأحد وجهين:

  أجدهما: للتصرف في الكلام، كقوله: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} فجعلهم مرة كالحاضر ومرة كالغيب.

  الثاني: أن يعود الضمير على أصحاب الوجوه أنه بمنزلة المذكور «كمَا لَعَنَّا» أخزينا وعاقبنا «أَصْحَابَ السَّبْتِ»، قيل: الَّذِينَ اعتدوا في السبت، وقيل: اليهود؛ لأنهم يعظمون السبت «وَكَانَ أَمْرُا اللَّهِ مَفْعُولاً» قيل: كان أمر من أمور اللَّه مِنْ وعد أو وعيد أو خبر، فإنه يكون كما وعد وأخبر عن أبي علي، وقيل: كان مأمورًا لله مفعولاً أي الذي يأمره بقوله: كن، وقيل: إن جميع ما يفعله اللَّه كائن لا محالة، والأمر عبارة عن الفعل، وقيل: جميع أوامره مفعولة؛ لأن كلامه محدث، قيل: أبديتم للرسول وللمؤمنين وما وعدهم من النصر فلا تطمعوا في إبطاله عن الأصم، فالأمر هو وعد اللَّه بالنصر.

  · الأحكام: تدل الآية على أنهم وإن كفروا يسمون بأنهم أهل الكتاب.

  وتدل على أن القرآن مصدق لجميع كتب اللَّه، وذلك لوجهين: إما من حيث موافقته لصفته ÷ في تلك الكتب، أو لتصديقه إياه بأنه حق، وتدل على وعيد غير معين، وربما يكون ذلك أبلغ وأصلح.

  وتدل أن ذلك الوعيد طمس ومسخ.