التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما 48}

صفحة 1584 - الجزء 2

  المنبر، فقام وجل وقال: والشرك بِاللَّهِ، فسكت، فقام مرتين أو ثلاثًا، فنزلت هذه الآية عن ابن عمر.

  وعن ابن عمر أيضًا كنا على عهد رسول اللَّه ÷ إذا مات الرجل منا على كبيرة شهدنا له بالنار حتى نزلت هذه الآية، فأمسكنا عن الشهادات.

  · المعنى: ثم بين تعالى الإياس لمن تقدم ذكرهم من الكفار عن رحمته، فقال سبحاته: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» فيه قولان: قيل: لا يغفر الشرك مطلقًا.

  ومتى قيل: ليس يغفره بالتوبة.

  فجوابنا أن التوبة تزيل عن صاحبها إطلاق الصفة به، فإذا خرج من كونه مشركًا حسن أن يطلق مع الإيجاز الذي فيه، والتغليظ الذي يوجبه إطلاق القول، وقيل: لما علم بالعقل والشرع أن التوبة تزيل العقوبة صارت الآية مخصوصة.

  الثاني: أنه لا يغفر شيئًا من ذنوبه لأجل شركه، و (أن) بمعنى مِنْ أجل، كأنه قيل: من أَجْلِ الشرك منعوا غفران ما دونه؛ لأن مع الشرك لا يغفر شيئًا من الذنوب، كما يغفر للمؤمن من الصغائر إذا اجتنبوا الكبائر عن أبي مسلم «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمنْ يَشاءُ» فعلق غفران ما دون الشرك بالمشيئة، فصارت الآية مجملة، فما لم يرد شرع بأنه يشاء مغفرة بعضهم لا يقطع عليه.

  فمتى قيل: هل قلتم: إنه وعد بغفران الكبائر؟

  قلنا: لأربعة أوجه: أولها: أنه مقيد بمن يشاء، والثاني: أنه يكون إغراء بالقبيح، والثالث: أنه مجمل. والرابع: أنه أخبر في آي أخر أنه يغفر لأصحاب الصغائر وأصحاب التوبة ولا يغفر لمن سواهم، كما ورد به القرآن في القتل والزنا والربا وسائر آي الوعيد.