التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما 48}

صفحة 1585 - الجزء 2

  ومتى قيل: فمتى يستحق المغفرة قد وجب له ذلك عقلاً فما فائدة الخبر؟

  قلنا: ورد مؤكدًا ومصلحة، فهو بمنزلة سائر الأدلة في التوحيد ومعجزات النبي ÷ «مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» قيل: ما دون الشرك يغفره لمن يشاء قيل: من الكبائر والصغائر، وقيل: من الصغائر، وقيل: ما دون ذلك من الذنوب يغفره بالتوبة.

  والمعنيّ بقوله: «من يشاء» التائبون، وأراد به يغفر الشرك وما دونه بالتوبة، ونظيره: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} وأجمعت الأمة، المراد اثنتين فما فوقهما عن أبي مسلم، وتلخيص الكلام لا يغفر للمشرك الشرك، وما دونه لأجل شركه وإن تاب منه، فإذا ترك الشرك، وتاب من الذنوب غفر له الشرك وما دونه «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى» اختلق وكذب «إِثْمًا» وزرًا «عَظِيمًا» بجحوده وحدانية اللَّه وشركه به، وقيل:

  فقد اكتسب بكذبه في ذلك إثمًا عظيمًا عن أبي مسلم.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى لا يغفر الشرك، والمراد إذا لم يتب؛ لأن العقل والشرع دل أنه يغفره بالتوبة، ولأنه أتى بأقصى ما قدر عليه، ولأنه بمنزلة الاعتذار، وقد نطق القرآن بذلك في قوله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ} {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لمَنْ تَابَ}.

  وتدل على أن كل كفر شرك؛ لإجماعهم على أنه لا يغفر الشرك لإجماعهم إلا بتوبة، ولو كان الكفر دون الشرك لصح أن يغفر.

  وتدل على أن الكفر لا يقع إلا كبيرة وأنه قط لا يزيد ثواب صاحبه على عقاب الكفر حتى يصير مغفورًا لذلك أطلق الوعيد.

  ويدل عليه قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ولا ثواب أعظم من ثواب النبوة.

  ويدل قوله: «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» أن في الذنوب ما يغفره وفيها ما لا يغفره، ولو كان الكل سواء لم يكن لقوله: «من يشاء» فائدة. ثم أيّ البعض يغفره