التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا 49 انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا 50}

صفحة 1587 - الجزء 2

  والفتل: لَيُّ الشيء، فتلت الحبل أَفْتِلُهُ فتلاً. وانفتل فلان في صلاته، والفتيلة معروفة، والفتيل بمعنى مفتول، قال الشاعر:

  يا أَيُّهَا السَّاعِي لِيُدْرِكَ مَجْدَنَا ... ثكلتك أمك أن ترد فتيلا

  والنظر: الإقبال على الشيء بالبصر فمنه النظر بالقلب، لأنه إقبال عليه كالإقبال بالبصر، وكذلك النظر بالرحمة ونظر الدهر إلى الشيء بإهلاكه، والنظر إلى الشيء بالتأمل له. والانتظار: الإقبال على الشيء بالتوقع له، والمناظرة: إقبال كل واحد من الخصمين على صاحبه بالمحاجة، والنظير لإقباله على نظيره بالمماثلة، والنظر بالعين تقليب الحدقة نحو المرئي التماسًا لرؤيته مع سلامة الحاسة، والنظر بالتقلب: التفكر في الشيء، والرؤية: إدراك المرئي، وليس الرؤية من النظر في شيء؛ ولذلك يقال: نظرت إلى الهلال فلم أره، وينقسم النظر في كلام العرب إلى نظر رحمة، ونظر غضب، ونظر شفقة، والرؤية لا تنقسم.

  وافترى واختلق نظيران إلا أن في افترى قَطْعًا على كذب أخبر به، واختلق قدر كذبًا أخبر به؛ لأن أصل افترى من الفري وهو القطع، وأصل اختلق من الخلق وهو التقدير.

  · الإعراب: نصب «فتيلا» لأنه مفعول تقديره: لا يظلمون مقدار فتيل، كقولك: علمت حقه، وقيل: نصب على التمييز، كقولهم تصبب عرقًا، وكفى بالافتراء إثمًا، أي من إثْمٍ فلما ألقيت (مِنْ) نُصبت.

  · النزول: قيل: نزلت في رجال من اليهود أتوا بأطفال لهم إلى النبي ÷، وقالوا: يا محمد هل على هَؤُلَاءِ ذنب؟ قال: «لا»، قالوا: واللَّه ما نحن إلا كهيئتهم، ما عملناه بالنهار كُفِّر عنا بالليل، وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار، وكذبهم اللَّه تعالى وأنزل هذه عن الكلبي.