التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا 62 أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا 63}

صفحة 1613 - الجزء 2

  أردنا إلا الطلب بدم صاحبنا الذي قتله عمر «إِلَّا إِحْسَانًا» إلينا وما يوافق الحق من أمرنا، وقيل: ما أردنا بالعدول عنك في الحكم إلا توفيقًا بين الخصوم دون الحمل على مر الحق، وكله كذب وزور، وقيل: أردنا بالترافع إلى عمر الإحسان، وقيل: ما أردنا بما كان منا من مداراة الكفار إلا الإصلاح، وأن نتفق معهم على الإسلام، وهم كاذبون في ذلك، بل أرادوا الإضرار بالمؤمن «إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا» قيل: إحسانًا في القول، وتوفيقًا بين الخصوم، وقيل: توفيقًا صوابًا، وقيل: حقًا وعدلاً عن الأصم، وقيل: توفيقًا بيننا وبين الكفار في الإسلام «أُوْلئكَ» يعني هَؤُلَاءِ «الَّذِينَ» يحلفون «يَعْلَمُ اللَّه مَا فِي قُلُوبِهِمْ» من النفاق، فلا يغني عنهم الكتمان «فَأَعْرِضْ عنهم» قيل: إنه ثابت، وقيل: منسوخ بآية القتال، فمن قال ثابت اختلفوا في معناه على وجوه: فقيل: أعرض عنهم بعدوانك وَعِظْهُمْ، وقيل: عاقِبْهُمْ وعظهم، وقيل: أعرض عن قبول الاعتذار عنهم وعظهم عن أبي علي، وقيل: اصرف وجهك عنهم تدلهم به على سخطك كي لا يرجعوا إلى النفاق، ومن قال منسوخ قال: معناه أعرض عنهم ولا تعاقبهم، لكن عظهم بتخويفك إياهم ببأس اللَّه، وحذرهم عاقبة ما هم عليه «وَقُلْ» يا محمد «لَهُمْ فِي أَنفُسِهِم» يعني أنفس المنافقين «قَوْلاً بَلِيغًا» قيل: معناه أن تقول: لو أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم عن الحسن، فهذا يبلغ من نفوسهم كل مبلغ، وقيل: خوفهم بمكاره تنزل بهم في أنفسهم إن عادوا بمثل ما فعلوا، وقيل: ازجرهم عما هم عليه بأبلغ الزجر، وقيل: عظهم في الملأ وقل لهم قولاً بليغًا في السر عن الضحاك، وقيل: البليغ هي الموعظة بعينها، وهي النصيحة التامة عن أبي مسلم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن المصائب قد تصيب بما قدمت أيديهم، ثم اختلفوا فمنهم من قال: لا يكون إلا عقوبة إلا في التائب، وهو قول أبي علي، ومنهم من قال: يكون لطفًا، وهو قول أبي هاشم، قال القاضي: قد يكون لأجل ما قدمت أيديهم لطفًا، وقد يكون جزاء فهو موقوف على الدليل.

  وتدل على ذم من يحلف كاذبًا ويعتذر كاذبًا، وقبح النفاق والرياء.