قوله تعالى: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا 66 وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما 67 ولهديناهم صراطا مستقيما 68}
  عن أبي علي، وقيل: لو كتبنا عليهم أن يقتل بعضهم بعضًا، وأن يخرجوا من ديارهم ما فعلوا إلا قليل، أي ما فعلوا القتل والخروج «وَلَوْ أَنَّهُمْ» يعني الَّذِينَ تقدم ذكرهم «فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ» يعني ما أمروا به، وتُلِيَ عليهم من كتاب اللَّه «لَكَان خَيرًا لَهُمْ» في دنياهم وآخرتهم مما هم فيه من النفاق «وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا» قيل: أشد بصيرة ومعونة بما يجب عليهم من اعتقاد الجهل لما يعتري من الحيرة، وقيلِ: اتباع الحق أثبت منفعة؛ لأن الباطل مضمحل، وتعقبه الحسرة العظيمة «وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ» يعني وإذًا لأعطيناهم جزاء على اتباع أمرك وقبول شرعك «مِنْ لَدُنَّا» من عندنا «أَجْرًا عَظِيمًا» أي ثوابًا جزيلاً «وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا» أي إلى صراط، وقيل: الهدى: اللطف الذي يثبتون به على الطاعة في لزوم الطريقة المستقيمة، تقديره ووفقناهم لنيل الطريق المستقيم والثبات عليه، وقيل: لهديناهم أي أخذناهم إلى طريق الجنة والثواب في الآخرة عن أبي مسلم وأبي علي، وقيل: أرشدناهم إلى طريق دين لا اعوجاج فيه، وهو دين الإسلام.
  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى منعم في التخفيف علينا في التكليف، وذلك يدل أنه لا يكلف ما لا يطيقون؛ لأنه إذا لم يكلفهم ما يثقل عليهم فكيف يكلفهم ما لا يقدرون عليه؟ وبعد فإن عندهم التكاليف كلها مما لا يطاق، ولا يقدر على شيء منه، فكيف يثبت في التكليف التخفيف، وكل ذلك يبطل قول الْمُجْبِرَةِ في الاستطاعة والمخلوق وتكليف ما لا يطاق.
  وتدل على أنه تعالى يفعل الأصلح؛ لأنه بين أنه لو كلف القتل لقل المطيعون فلم يكلف ذلك.
  وتدل على أن التكليف الذي يكثر معه الطاعة أولى، ولو كان جميع أفعال العباد خلقًا له لم يكن لهذا الكلام فائدة، وهذا حجة عليهم أيضا في المخلوق.