التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما 107 يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا 108 هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا 109}

صفحة 1735 - الجزء 3

  تُجَادِلْ» أي. لا تخاصم، قيل: هو خطاب للنبي ÷ حين هم أن يبرئ [طعمة] لما أتاه قومه ينفون عنه السرقة ويرمون به اليهودي، وقيل: الخطاب لقوم [طعمة]، وقيل: خطاب له والمراد قومه، وقيل: تقديره: ولا تجادل أيها الإنسان «عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ» قيل: يظلمون أنفسهم بالخيانة ورمي البريء بها، وقيل: معناه يخونون أنفسهم بأن يجعلوها خائنة كما يقال للظالم: ظلم نفسه من حيث يعود وبال الظلم عليه «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا» كثير الخيانة، وإنما قال خوانا ولم يقل خائنًا قيل: لإزالة الإيهام في خيانة الشيء اليسير الذي لا يلزم به الوعيد، وقيل: لأنه إنكار لحال الخوان ببراءته، وإن كان في خصلة من الخيانة، فإن الصفة تجوز أن تلزمه تعظيمًا للخيانة «أَثِيمًا» فاعلاً للإثم، وقيل: لا يحب خوانًا حيث خان الدرع ولا أثيما حيث رمى به اليهودي «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ» أي يكتمون، قيل: هم الَّذِينَ مشوا في الدفع، عن ابن أبيرق سارق الدرع، وقيل: بل هو سارق الدرع ومن كان مثله من الخونة، عن أبي علي، وقيل: هم الَّذِينَ مضى ذكرهم في قوله: «وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ» الآية، عن أبي مسلم «وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ» وهو مطلع عليهم قادر على أخذهم وتنكيلهم، وقيل: معناه لا يمكنهم أن يخفوه من اللَّه وإن أخفوه من الناس؛ لأنه عليم لذاته، وهو قديم علمًا بهم وقدرة عليهم «إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ» قيل: هو سارق الدرع دبر بأني أرمي اليهودي بأنه سارق الدرع، وأحلف أني لم أسرق، فيقبل مني لأني على دينهم، ولا يقبل يمين اليهودي، عن الحسن والأصم والزجاج، وقيل: هم الَّذِينَ ذبوا عن السارق دبروا ليلا بأنهم يذبون عن صاحبهم عند النبي ÷ ويرمون به اليهودي، وقيل: هم الذابون عن المنافقين، عن أبي مسلم، وقيل: معناه أنه يعلم ما يبيتون من القول، عن أبي علي، ومعنى يبيتون: يدبرون ليلاً، وقيل: يقولون، عن ابن عباس، وقيل: يبدلون [من] القول ما لا يرضى اللَّه به، «وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا» يعني أن علمه أحاط بأعمالهم الخبيثة التي لا يرضاها، وإنما قال: (محيطًا)؛ لأنه لا يخفى عليه منه شيء، فكأنه محيط بجميعه ومجازيهم عليها «هَا أَنتُمْ» إشارة إلى الذابين عن السارق، عن أبي علي، وقيل: الذابين عن المنافقين، عن أبي مسلم، «هَؤُلَاءِ» قيل: أنتم، وقيل: الَّذِينَ جادلتم عنهم، وقيل الَّذِينَ «جَادَلْتُمْ» خاصمتم