التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما 113 لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما 114}

صفحة 1741 - الجزء 3

  الثاني: أن تكون نصبًا على الاستثناء المنقطع، كأنه قيل: ليكن من أمر بصدقة أو كذا ففيه خير.

  الثالث: أدت تكون رفعًا على قول الشاعر:

  وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أنيِسُ ... إِلَّا الْيَعَافِيُر وَإِلَّا العيسُ

  لأنه جعلها أنيس ذلك المكان، فكذلك جعل من أمر بصدقة نجوى الخير على الاتساع، ويجوز وجه آخر في الجر، وهو أن يكون محمولاً على المعنى، كأنه قيل: لا خير في نجوى كثير منهم إلا نجوى من أمر بصدقة، فيكون مردودًا على الكثير، والنجوى بمعنى المصدر، والجر أولى؛ لأن حمل الكلام على الاتصال أولى من الانقطاع، إذا لم يخل بالمعنى.

  وأما قوله: «إلا من أمر» فقيل: استثناء حقيقي تقديره: لا خير في نجوى الناس إلا في نجوى الآمرين بالمعروف والصدقة، وقيل: منقطع بمعنى: لكن من أمر بصدقة، عن أبي مسلم، وقيل: تقديره: لا خير في هَؤُلَاءِ المتناجين إلا متناجيا في أمر بصدقة.

  · النزول: قيل: نزلت في بني أبيرق لما أتوا النبي ÷، وشهدوا [ببراءة] صاحبهم، ورموا اليهودي بالسرقة حتى هَمَّ النبي ÷ بقبول قولهم، فنزلت الآية، عن أبي صالح عن ابن عباس.

  وقيل: نزلت في وفد ثقيف قدموا على رسول اللَّه ÷ وقالوا: جئناك نبايعك على ألا نحشر ولا نكسر أصنامًا بأيدينا وعلى أن نتمتع بالعزى سنة، فلم يجبهم إلى ذلك، وعصمه اللَّه عنه، عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس.