قوله تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا 117 لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا 118 ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا 119 يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا 120 أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا 121}
  الإناث: اللات، والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، عن أبي مالك والسدي وابن زيد ومجاهد، قال الحسن: كان لكل حي من العرب وثن يسمونه باسم الأنثى، وقال بعضهم: العزى تأنيث العزيز، واللات تأنيث اللَّه، وقيل (إلا إناثًا): أي إلا أمواتًا، عن ابن عباس والحسن وقتادة، ووجه ذلك: إلا ما هو كالموات في اتضاع المنزلة؛ لأن الإناث من كل شيء أرذله، وقيل: إلا ملائكة لأنهم كانوا يزعمون أن الملائكة بنات اللَّه، عن الضحاك «وَإنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيطَانًا».
  يقال: كيف نفى في الثاني ما أثبته في الأول؟
  قلت: المعنى: ما يعبدون من دونه إلا إناثًا وهو الأوثان بتوجيههم العبادة إليها، وما يعبدون بعبادتهم إلا شيطانًا بطاعتهم له في عبادتها فتلك العبادة ليست إلا للإناث، وهذه العبادة ليست إلا للشيطان، فالأول دعاء على طريق العبادة، والثاني على طريق الانقياد، وقيل: عبادتهم للأوثان لا يعتد بها في جنب عبادتهم للشيطان؛ لأنه يستحق ضد العبادة من الاحتقار والإهانة، ونظيره: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ} يعني رميك لا يعتد به مع رميه، وأراد بالإناث تقبيح فعلهم على أقبح الوجوه، وإلا فالذكر والأنثى سواء في أنه لا تجوز عبادته، وقيل: ما تدعون بعبادتهم الأوثان إلا الشيطان؛ لأنه أضلهم ودعاهم إليه «مَرِيدًا» يعني ماردًا، «فَعِيل» بمعنى «فاعل»، كقدير وقادر، وهو العاتي، الخارج عن طاعة اللَّه تعالى، الشديد في كفره وعصيانه، وهو إبليس لعنه اللَّه، قيل: فيه حذف، أي وقد لعنه اللَّه، وهو قوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} عن أبي مسلم، وقيل: لعنه اللَّه في الحال وأخزاه وأبعده من الخير والرحمة، عن الأصم، «وَقَال» يعني الشيطان لما لعنه اللَّه {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} قيل: معلومًا، عن الضحاك، وقيل: لي منهم حظ موجب وهم الَّذِينَ يتبعون خطواته، ويقبلون وساوسه، وذكر في بعض التفاسير عن النبي ÷ أنه قال: «من كل ألف واحد لله، وسائرهم للنار ولإبليس»، وإنما حكى ذلك ليعلم المشركون أنهم من نصيب إبليس وأتباعه.