قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا 124 ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا 125 ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا 126}
  قلنا: لما تقدم الوعيد عقبه بالوعد ثم بَيَّنَ مَنْ يستحقه، «وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا» وبين أنه الإسلام ردا على المخالفين.
  ويقال: كيف يتصل قوله: «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ» بما قبله؟
  قلنا: قيل فيه وجوه: قيل: لما دعا إلى طاعته ووعد وأوعد بين أنه يستحق؛ لكونه خالق الأشياء العالم بها، وقيل: لما بين أنه اتخذ إبراهيم خليلا بَيَّنَ أنه اتخذه كذلك لا لحاجة؛ لأن من كان له ما في السماوات وما في الأرض لا يجوز عليه الحاجة، ولكن لما تقتضيه الحكمة، وقيل لما تقدم الوعد والوعيد بين قدرته على ذلك، ودل عليه بأن له ما في السماوات والأرض، وأحدٌ لا يقدر على منعه، عالم بما يستحقونه يجازيهم بحسب الاستحقاق، وقيل: لما ذكر خلة إبراهيم بَيَّنَ أنه مع ذلك عبد له؛ لأن له ما في السماوات، وأنه اتخذه خليلاً لطاعته، وأن أكرمهم أطوعهم له، وهو غني عنهم ترغيبًا في طاعته.
  · المعنى: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ» أي من الأعمال الصالحات، وهي الطاعات «مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى» رجل أو امرأة، «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» مصدق لله ورسوله عامل بما فرض عليه، منتهٍ عما نهى عنه «فَأُوْلَئِكَ» يعني من تقدم ذكره «يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ».
  يقال: لم كرر الوعد؟
  قلنا: قيل: تأكيدًا، وقيل: لما عم الوعيد بقوله: «مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا» عم الوعد بقوله: «وَمَنْ يَعْمَلْ» وقيل: الأول وعد لمن خالف الشيطان؛ لأنه ورد عقيب ذكره، وهذا عام «وَلاَ يُظْلَمُونَ» لا ينقص حقهم ولا يبخس، والظلم يكون لشيئين: منع ثواب مستحق، أو فعل عقاب غير مستحق «نَقِيرًا» قيل: هو النقرة التي في ظهر النواة عن السدي وعطية وجماعة، والمراد أنه لا يظلم أحدًا حقه وإن قلَّ، ثم بَيَّنَ الذي يستحق به الوعد، فقال تعالى: «وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا» قيل: هو استفهام والمراد الإنكار أي ليس أحد أحسن دينًا و «دِينًا» قيل: طريقة وقيل: اعتقادًا، وقيل: طاعة، وقيل: عادة «مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ» أي انقاد وصدق اللَّه ورسوله، وقيل: ممن أسلم عمله لله قصد اللَّه