التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا 124 ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا 125 ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا 126}

صفحة 1760 - الجزء 3

  وحده بعبادته، وقيل: ممن اعتقد الإسلام، وقيل: معناه أسلم لله أي انقاد لأمره «وَهُوَ مُحْسِنٌ» قيل: فاعل الحسنات التي أمر بها، وقيل: يوم الدين، وأحسن في القول والعمل «وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ» أي اقتدى بدينه وسيرته وطريقته، قال ابن عباس: ومن دينه مناسك الحج والصلاة إلى الكعبة، وقيل: ملته داخلة في شريعة نبينا ÷، وإنما ذكر إبراهيم لاتفاقهم عليه، وأن طريقته حق «حَنِيفًا» مستقيمًا على الحق «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً» قيل صفيًا اصطفاه لذلك، والخليل أن يدخله في خلال أموره وأسراره، فلما خص اللَّه تعالى إبراهيم بالكتاب والنبوة والنصرة على الأعداء، والنجاة من النار، وإيتاء المعجزات، وجعله إمامًا، وبشره بأن النبوة في ذريته، فلهذه الاختصاصات سماه خليلاً، وقيل: الخليل المحب الذي ليس في محبته خلل، عن الزجاج، كأنه يحبه حبًّا تامًّا، وقيل: قطعه بالخلة عن غيره، فسمى خليلاً، وقيل: اصطفاه وهو ذو فقر وخلة فلم يضره بذلك لما عنده؛ لأن من له السماوات والأرض لا يحتاج إلى خلة أحد، وإنما يصطفي للإيمان والطاعة، عن أبي مسلم، وقيل: افتقر إليه فتوكل عليه، فسمي خليلاً من الخلة وهي الفقر، فعلى هذا لا يجوز أن يقال: إن اللَّه خليل إبراهيم؛ لأنه لا يفتقر إلى إبراهيم «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» يعني ملكًا وخلقًا «وَكَان اللَّهُ» يعني لم يزل ولا يزال أدخل (كان) لهذه الفائدة «بِكُلِّ شَيءٍ مُحِيطًا» قيل: عالم علم إحاطة أي بعلمه من كل وجه، وقيل: محيطًا به علمًا به وقدرة عليه، ولا يجوز حمله على إحاطة الذات؛ لأنها من صفات الأجسام.

  · الأحكام: أول الآية يدل على أنه يجازي كل مَنْ عمل حسنة ولا يضيع لديه شيء وإن قل، فلذلك ذكر النقير مثلاً، فإنه لا يعتد به، فإذا كان ذلك لا يضيع فكيف بما زاد؟!

  فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ: إنه لو لم يثب أحدًا بما عمل جاز.

  ويدل على أن الجنة تنال بالطاعات، فلذلك شرط أعمال الصالحات، فيبطل قول المرجئة.