التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 128}

صفحة 1768 - الجزء 3

  الأول: أنه خطاب للأزواج، يعني: إن تحسنوا بالإقامة معهن مع كراهة صحبتهن، والإحسان في توفية حقهن من المهر والنفقة والقسم، «وَتَتَّقُوا» في ظلمها فإن اللَّه عليم بأعمالكم مجازيكم عليها، وقيل: تحسنوا إليها وتتقوا اللَّه في ظلمها، وقيل: إن تحسنوا في الأقوال والأفعال، وتتقوا المعاصي فاللَّه عليم بكم يجازيكم.

  الثاني: أنه خطاب للزوج والمرأة يعني أن يحسن كل واحد منكما فيما يجب عليه لصاحبه، وتتقوا الظلم.

  الثالث: أنه خطاب لغيرهما يعني إن تحسنوا في المصالحة بينهما، «وَتتقوا» الميل إلى واحد فهو عليم بضمائركم، يجازيكم بأعمالكم «فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ» لم يزل «بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» عليما.

  · الأحكام: تدل الآية أن المرأة متى خافت نشوز الزوج ومباعدته بغضة لها أن تسلك طريقة المصالحة لتعود الألفة، أو تحصل المفارقة على جميل.

  وتدل على أنهما متى اصطلحا على شيء جاز، فإن رضيت بسقوط حقها واستدامة النكاح جاز، وإن اقتصرت على بعضها جاز، وإن رضيت بالمفارقة جاز، وإن رضي هو باستدامة النكاح على الكراهة وإبقاء حقها جاز، وإنما الممنوع مضارة أحدهما لصاحبه.

  وتدل على جواز المصالحة في كل ما يقع فيه التنازع، غير أن لها شروطًا في الشرع لا بد من اعتبارها.

  وتدل على أن الصلح يقع ببذل مال؛ لأن قوله: «وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ» لا يليق إلا بذلك.

  وتدل على أن الأفضل للزوج الإمساك؛ لأن قوله: «وَإِنْ تُحْسِنُوا» ترغيب في ذلك، وقد قالوا: الصلح ثلاثة: صلح على الإقرار، وأحكامه أحكام المبايعات، وهو جائز بالاتفاق. وصلح على الإنكار وهو جائز عند أبي حنيفة. وأصحابه، وقال