التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا 133 من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا 134}

صفحة 1776 - الجزء 3

  محذوف، أي: إن يشأ أن يذهبكم يذهبكم، والمعنى يذهبكم بالإهلاك «أَيُّهَا النَّاسُ» قيل: خطاب لأهل مكة، وقيل: خطاب للكفار والمنافقين، وقيل: للذين ذبوا عن الخائن في الدرع، وقيل: خطاب لجميع الذابين، عن الأصم وأبي علي، وهو الصحيح «وَيَأْتِ بِآخَرِينَ» قيل: بناس آخرين لنصرة الإيمان والَّذِينَ هم خير وأطوع، قيل: هم أهل المدينة بدل أهل مكة، وقيل: هو على التقدير يعني أنه قادر على إماتة جميع الخلق وإيجاد خلق آخر، وهو إشارة إلى كمال قدرته ووعيد للقوم، وقيل: هم العجم بدل العرب، وروي أنه لما نزلت هذه الآية ضرب رسول اللَّه ÷ يده على ظهر سلمان وقال: «هم قوم هذا» يعني عجم الفرس «وَكَانَ اللَّهُ» لم يزل «عَلَى ذَلِكَ» الإبدال والإفناء والإعادة «قَدِيرًا» أي: قادرًا «مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» قيل: ثواب الدنيا الغنيمة والمنافع التي تصل إلى المجاهدين مع رسول اللَّه ÷، وثواب الآخرة الجنة ونعيمها، ومعناه: من كان يطلب بغزوه الغنيمة فلا يجعل قصده ذلك فقط؛ فإنه تعالى يملك الدنيا والآخرة فليطلب المجاهد الثوابين عند اللَّه تعالى، عن أبي علي، وقيل: هو وعيد للمنافقين ومن يجري مجراهم، وثواب الآخرة العقاب، وثواب الدنيا منافعها، وتقديره: من كان يريد بعمله وما يظهر من الإيمان ثواب الدنيا فإن اللَّه يؤتيه ذلك، وهو ما يعطيه من الغنائم ومنافع الدنيا، والأمن على النفس والمال وجزاؤه في الآخرة النار، ومن كان يفعله لثواب الآخرة فاللَّه يعطيه ذلك، وقيل: عنى به الَّذِينَ أعانوا بني أبيرق «وَكَانَ اللَّهُ سميعًا» يعني لم يزل سميعًا أي: على صفة يسمع المسموع إذا وجد، وهو سامع لما يقولونه «بَصِيرًا» عالمًا لم يزل بما تنطوي عليه الضمائر من الإخلاص أو العدول إلى الهوى؛ لأن المجازاة تقع على حقيقة الأمر على الظاهر، وقيل: سميعًا لما يقوله أهل النفاق إذا خلوا إلى شياطينهم، بصيرًا بما يسرون من نفاقهم.