التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا 136 إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا 137}

صفحة 1784 - الجزء 3

  وقيل: إنه خطاب للمنافقين، عن الزجاج، تقديره: يا أيها الَّذِينَ صدقوا ظاهرًا وباطنًا آمِنوا: صَدِّقُوا بقلوبكم، وقيل: إنه خطاب للذين قالوا: آمنوا به وجه النهار واكفروا آخره، وتقديره: يا أيها الَّذِينَ آمنوا صدقوا أول النهار وآخره أيضًا، وقيل: خطاب للمشركين تقديره: يا أيها الَّذِينَ آمنوا باللات والعزى آمنوا بِاللَّهِ، لا باللات، وهذا لا يصح؛ لأنه لا يطلق يا أيها الَّذِينَ آمنوا على الكفار، والصحيح هو القول الأول؛ لأنه ظاهر الكلام «آمِنُوا بِاللَّهِ» أي: بأنه الصانع القادر، العالم الحي، السميع البصير، القديم الباقي، الواحد العدل، ليس كمثله شيء، حكيم في أفعاله، صادق في أقواله، لا يظلم ولا يجور «وَرَسُولِهِ» يعني آمنوا برسوله وهو محمد ÷، وأنه مبعوث إلى الكافة، شريعته ناسخة لجميع الملل، وهو خاتم الرسل، معصوم عن الخطأ والزلل «وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ» يعني آمنوا بالكتاب المنزل عليه، وهو القرآن، والإيمان به أن يؤمن بأنه كلامه تعالى، ووحيه، وتنزيله، أنزله حجة له وبيانا لشرائعه، وأنه السور والآيات، وهو الذي في أيدي أمته لا زيادة فيه ولا نقصان ولا تحريف «وَالْكِتَاب الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ» يعني التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب «وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ» ويَجحده، أو يشبهه أو يرد أمره ونهيه «وَمَلَائكَتِهِ» فينزلهم منزلة لا تليق بهم، كقولهم: إنهم بنات اللَّه، أو ينفونهم أو ينسبونهم إلى النقص، «وَكُتُبِهِ» فيجحدها «وَرُسُلِهِ» فينكرهم «وَالْيَوْمِ الآخِرِ» أي: يوم القيامة، وإنما ذكر هذه الخصال وإن كان يكفر بكل واحد منها تقبيحًا لحالهم، ولما هم عليه من أنواع الكفر والضلال، وقيل: كأنهم بكفرهم لمحمد كفروا بجميع ذلك لاستحقاقهم العذاب الأليم «فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا» قيل ذهب عن طرائق الحق ذهابًا بعيدًا، وقيل: هلك هلاكًا بعيدا من النجاة «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» صدقوا «ثُمَّ كَفَرُوا» جحدوا «ثُمَّ آمَنُوا» بعد ذلك أي: صدقوا «ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا» فيه ثلاثة أقوال:

  الأول: هم أهل الكتاب آمن اليهود بالتوراة ثم كفروا بمخالفتها، وآمنوا بموسى ثم كفروا بمخالفته، وآمن النصارى بعيسى ثم كفروا بمخالفته، وآمنوا بالإنجيل ثم كفروا بمخالفته، ثم ازداد الجميع كفرًا بمخالفة محمد والقرآن، عن قتادة.