التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما 138 الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا 139}

صفحة 1786 - الجزء 3

  وتدل على عظيم أمر المرتد، ولذلك عظم أمره، والمرتد: من كفر بعد الإيمان بخصلة من خصال الكفر، فلا يقبل إلا الإسلام أو القتل، فأما المرتد فعندنا يحبس، ولا يقتل، وقال الشافعي: يقتل، فأما أمواله إذا قُتل أو مات أو لحق بدار الحرب، فجميعه فيء عند الشافعي، وجميعه ميراث عند أبي يوسف ومحمد، فأما أبو حنيفة: فما كان من كسبه قبل الردة فهو ميراث، وما اكتسبه في حال الردة فهو فيء. وأما تصرفاته فموقوفة عند أبي حنيفة، نافذة عند الباقين، والمرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن كفر ثلاث مرات فروى الشعبي عن علي أنه لا يستتاب في الرابع، والذي عليه عامة الفقهاء أنه يستتاب، فإن تاب، قُبِل ذلك عنه، والمرتد إذا تاب هل يعود ثواب طاعاته أم لا؟ وإذا كفر بعده هل يعود عقاب معاصيه أم لا؟ اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال: منهم من قال: يعود في الوجهين، وهو قول بشر، وجعل فائدة الآية ذلك، ومنهم من قال: لا يعود في الوجهين، وهو قول أبي علي وأبي هاشم، ومنهم من قال: يعود الثواب، ولا يعود العقاب، وهو قول أبي القاسم، والفرق بينهما: هو أن بطلان الثواب عقوبة على الردة، وقد سقطت العقوبات، كذلك بطلان الثواب، وغفران الذنب تَفَضُّلٌ ورحمة، فلا يجوز أن يعود فيها.

قوله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ١٣٨ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ١٣٩}

  · اللغة: البشارة: أصله الخبر السار الذي يظهر به السرور في بَشَرَةِ وجهه، ثم استعمل في الذي يغم أيضًا، وقيل: أصله الخبر الذي يظهر به الأثر في بشرة الوجه، إما السرور أو الغم، إلا أنه أكثر في الخبر السار، وورد ههنا على الأصل، والأول الوجه، وإنما وضع إخبارهم بالعذاب موضع البشارة لهم، قال الشاعر: