التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا 157 بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما 158}

صفحة 1818 - الجزء 3

  وقيل: في ادعائهم أنه إله «مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنّ» يعني أنهم لما لم يجدوه، ولم يقفوا له على أثر ظنوا أنه المقتول. والذين شكوا في قتله قيل: الَّذِينَ قتلوه، وقيل غيرهم، عن أبي علي «وَمَا قَتَلُوهُ يقِينًا» قيل: الهاء في قتلوه يعود على الظن يعني ما قتلوا ظنهم يقينًا، كما يقال: قتلته علمًا، عن ابن عباس وجويبر والسدي، وقيل: يعود على العلم أي: ما علموا ذلك يقينًا، وقيل: ما قتلوا المسيح على نفس أنه المسيح؛ لأنه التبس الحال عليهم، وقيل: يقينًا ما قتلوه، فاليقين عائد على نفي القتل، عن الأصم، وقيل: يقينًا حقًّا فهو من تأكيد الخبر، عن الحسن «بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ»، قيل: رفعه إلى الموضع الذي لا يملك أحد الحكم فيه غيره، فالرفع إلى ذلك الموضع رفع إليه، عن أبي علي، وقيل: رفعه إلى السماء التي جعل فيها سرير الملك، عن الحسن، وقيل: رفعه اللَّه يعني قبضه مَرْضِيَّ السيرة، رفيع الدرجة، وليس المراد الرفع إلى السماء، عن أبي مسلم «وَكَانَ اللَّهُ» لم يزل «عَزِيزًا» قادرًا يقدر على نجاة من يشاء من أيدي الكفار، وقيل: يقدر على الانتقام من أعدائه فينتقم، وقيل: غالبًا على أمره، لا يمتنع عليه شيء «حَكِيمًا» في تدابيره في أمر أوليائه وأعدائه.

  · الأحكام: في الآية دلالة قاطعة على أن القتل والصلب لم يقع على عيسى، وأجمع المسلمون على ذلك، وخالفهم اليهود والنصارى مع ادعائهم أنه إله أو اتحد به الابن، اختلفوا في أن القتل والصلب على ماذا وقع مع اتفاقهم على أنه قتل وصلب، فمنهم من قال: المسيح ناسوت ولاهوت، فالقتل والصلب وقع عليه من جهة ناسوت، لا من جهة لاهوت، ومنهم من قال: اتحدا اتحادًا فعادا شيئًا واحدًا، فالصلب والقتل وقع على مجموع اللاهوت والناسوت.

  ومتى قيل: أليس اليهود والنصارى رووا أنه قتل، وهذا تواتر؟

  فجوابنا أن من شرط التواتر كثرة الرواة في الطرفين والوسط، ولم يوجد.

  وتدل على أن اختلافهم في أمر المسيح لم يكن عن يقين، وإنما قالوا ذلك ظنًّا وتخمينا، وتدل على أن عيسى مرفوع، وحقيقته الرفع إلى السماء. على ما روي في