التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما 164 رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما 165}

صفحة 1828 - الجزء 3

  أخبارهم لك لما كان فيه من المصلحة «وَكلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكلِيمًا» ختم المجمل في الآية بذكر موسى بالكلام على طريق العلم كما ختم الآية الأولى بذكر داود بالزبور على طريق العلم، فكان هذا حسنا في التقابل، والمراد: كلَّمَهُ بغير واسطة، وأكده بقوله: «تَكْلِيمًا» إزالة التوهم بأنه كلمه بواسطة «رُسُلاً» أي: أرسلنا من سميناهم ومن أجملنا ذكرهم رسلا «مُبَشِّرِينَ» بالثواب للمؤمنين «وَمُنذِرِينَ» مخوفين بالعقاب على الكفر والعصيان «لِئَلَّا يَكونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ» يعني ولكي لا يحتج من كفر فيقول: لو أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك، فقطع هذا العذر، وقيل: لئلا يحتجوا بذلك في الآخرة بأنهم ما أمروا وما نهوا «وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا» أي: قادرا على إيجاد ما وعد على الرسل، لا يمتنع عليه شيء، وأشار بقوله: «وَكَانَ اللَّهُ» لم يزل كان قادرًا «حَكِيمًا» فيما أرسل ووعد وأوعد ليكون حجة «حكيمًا» في فعله للاستحقاق، وقيل: حكيمًا في جميع تدابيره فيحكم أفعاله، وقيل: عليمًا.

  · الأحكام: تدل الآية على أن في الرسل من لم يقص خبره علينا، ولذلك لا يقطع فيهم على عدد معلوم، وإن كان ورد أخبار في عددهم لكنها آحاد.

  وتدل على أنه تعالى كلم موسى في وقته فتدل على حدوث الكلام، ولأنه خصه به، ولو كان قديمًا لما اختص به.

  وتدل على أن ببعثة الرسل تنقطع حجة الخلق على الرب سبحانه، وذلك يدل على أنه لو لم يبعث لكانت الحجة لهم عليه قائمة، ومعلوم أن الرسول لا يصح معرفته إلا بعد العلم بالتوحيد والعدل، فوجب أن يكون ممكنًا من ذلك.

  وتدل على كون البعثة والشرائع التي أتى بها لطفًا، فمن هذا الوجه تدل على وجوب اللطف، وتدل على وجوب سائر أنواع اللطف؛ لأن في تركه نقض الغرض بالتكليف.