التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم 3}

صفحة 1870 - الجزء 3

  اعتراضًا، ومعناه من أصابه ضر من مجاعة حتى لا يمكنه الامتناع من أكله، والمخمصة: المجاعة عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد «غَيرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ» غير مائل إلى إثم، عن قطرب، وقيل: غير مجاوز الحد، وقيل: غير معتقد لإثم، عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والسدي كأنه قيل: غير متمايل لهواه إلى إثم «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» أي يَسَّرَ عليه أكله فلا يؤاخذه به، وقيل: غفور لمن وقع في هذه الرخصة رحيم حيث أباحه له، وقيل: رحيم ببيان ما بَيَّنَ.

  · الأحكام: تدل الآية على تحريم ما ذكر وفصل، قال قتادة: إنما خص هذه الأمور بالذكر؛ لأن القوم كانوا يستبيحون ذلك أجمع إما على تفرق في تحليله، أو اجتماع، فبين التحريم، فمن ذلك الميتة، قال القاضي: والأولى في الميتة أنه الذي تبطل حياته من غير جناية وضَرْبٍ، وهو قول أبي علي، وقيل: إنه الذي تبطل روحه لا بذكاة، والأول أصح؛ لأنه عطف المنخنقة والموقوذة عليه فدل أنه غيره، وقد بينا ذلك في (سورة البقرة)، وهل يدل على منع البيع وسائر الانتفاع في الخنزير والميتة والدم؟ فأما أبو علي فيقول: نعم، وقال بعضهم: لا تدل، وبينا الخلاف في أن ما علق به التحريم هل هو من باب المجمل أو المبين، وأن أبا الحسن ذكر أنه مجمل، وغيره يقول: ليس بمجمل.

  وتدل على أن الذكاة تحل ما لولاه لحرم، ولا خلاف فيه.

  وتدل على تحريم ما يسمى عليه غير اسم اللَّه.

  وتدل على تحريم الاستقسام بالأقداح، وكانوا يرون ذلك مباحًا وديانة، ثم بين أنه فسق، وهذا يدل على أن الواجب على الإنسان فيما يهم به أن يتوكل على ربه، ويقدم ذكر اللَّه والصدقة على موجب ما ورد به الشرع.