التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون 8 وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم 9 والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم 10}

صفحة 1897 - الجزء 3

  ذكر في الآية، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» نداء للمؤمنين، وهو اسم تعظيم «كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ» أي: ليكن من عادتكم القيام لله بالحق في أنفسكم وغيركم، في أنفسكم بالعمل الصالح، وفي غيركم بالأمر بالمعروف، ومعنى لله أن تفعلوا ذلك ابتغاء مرضاة اللَّه «شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ» بالعدل، قيل: دعاة لله منيبين عنه بالعدل والحق والحجج، عن الأصم، وقيل: شهداء لله بنعمه على الناس، ومخالفتهم لأمره، عن أبي علي، وقيل: تقيمون الشهادة بالحق والصدق، عن أبي مسلم، وقيل: تحضرون المشاهدة بالقسط، لا تدعونها في وقت ولا حال، عن أبي مسلم «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ» قيل: لا يحملنكم، وقيل: لا يكسبنكم «شَنَآنُ قَوْمٍ» أي: بغض قوم وعداوتهم «عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا» أي: على أن تجوروا عليهم، وتتركوا العدل «اعْدِلُوا» أي: اعملوا بالعدل أيها المؤمنون في أوليائكم وأعدائكم «هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» أي: إلى التقوى، وقيل: العدل أقرب إلى التقوى من الجور؛ لأن العدل من التقوى، وقيل: أقرب إلى خوف اللَّه، وقيل: أقضى لكم عليهم، أقرب للتقوى من القصاص والانتصار، عن الأصم، وقيل: أقرب إلى الإيمان، عن أبي مسلم، وقيل: أقرب إلى الاتقاء من معاصي اللَّه، عن أبي علي والقاضي، وقيل: أقرب إلى أن يتقى من عذاب اللَّه «وَاتقوا اللَّه» أي: عذابه باتقاء معاصيه، قيل: اتقوا من ألَّا تعدلوا «إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» أي: عالم بأعمالكم يجازيكم عليها «وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ» الحسنات من الواجبات والمندوبات «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» أي: يكفر سيئاتهم، وأجر أي: ثواب عظيم دائم «وَالَّذِينَ كَفَرُوا» جحدوا «وَكَذَّبُوا» بآيات اللَّه بدلائله وبراهينه «أُوْلَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيمِ» يعني ملازمون عذاب الجحيم دائما؛ لأن المصاحبة تقتضي الملازمة كقولهم: أصحاب الصحراء.

  · الأحكام: تدل الآية على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقول بالحق؛ لأن