التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين 13}

صفحة 1908 - الجزء 3

  وجماعة «وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ» يعني بَيَّنا عن حال قلوبهم، وما هي عليه من القساوة، ولأنهم لا يؤمنون ولا ينجع فيهم عظة، عن أبي علي، كقولهم: جعلته فاسقًا، وجعلته عدلاً: إذا أبان عن حاله للناس «قَاسِيَةً» يابسة غليظة لا تلين، عن ابن عباس، وقيل: فاسدة رديئة، من الدراهم القَسِيَّة، وقيل: متكبرة، لا تقبل الوعظ، وقيل: إن قلوبهم لم يخلص إيمانها، ولكن يخالطه الكفر كالدراهم التي فيها الغش «يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ» يعني لقسوتهم يحرفون الكلم، وتحريفه يكون بوجهين: أحدهما: التأويل فَبِسُوءِ التأويل صاروا محرفين، وثانيها: بتغيير التنزيل بزيادة أو نقصان أو تبديل، وهذا يكون من خواصهم؛ لأنه يجوز عليهم التواطؤ «وَنَسُوا حَظًّا» أي: وبقسوة قلوبهم نسوا أي: تركوا حظا أي: نصيب أنفسهم من الإيمان بِاللَّهِ ورسوله، وبيان بعث محمد ÷ «مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ»، يعني مما ذكرهم اللَّه به مما فيه رشدهم وهو الإيمان [و] تركوا حظهم مما ذكرهم اللَّه به من الكتاب «وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ» يا محمد يظهر لك «عَلَى خَائِنَةٍ» قيل: خيانة كالخاطئة، ويقال: سمعت راغية الإبل، وثاغية الغنم عن المبرد فهو على هذا مصدر، وقيل: اسم كالعافية، وقيل: أراد الخائن، والهاء للمبالغة كعلَّامة، ونسَّابة، وقيل: فرقة خائنة، وجماعة خائنة: جمع خائن، واختلفوا في خيانتهم، فقيل: معصية عن ابن عباس، وقيل: كذب وزور، وقيل: نقض العهد ومظاهرة المشركين على رسول اللَّه ÷، وكتمان أمره، وهمهم بقتله، وقيل: خيانتهم ما كانوا يفعلونه مع النبي ÷: كلما عاهدوه نقضوا، وإن ضمنوا لم يفوا «إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» لم ينقضوا العهد، ولم يخونوا، وهم مؤمنو أهل الكتاب «فَاعْفُ عَنْهُم» يا محمد يعني عن هَؤُلَاءِ اليهود، وقيل: الَّذِينَ هَمُّوا ببسط أيديهم إليك، عن أبي علي والأصم وجماعة، وقالوا: وهو منسوخ «وَاصْفَحْ» عن حرمهم بترك التعرض لهم، وقيل: فاعف عنهم واصفح عن القليل الَّذِينَ استثناهم، ويحتمل أن يكونوا مؤمني أهل الكتاب، ويحتمل