التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين 25 قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين 26}

صفحة 1930 - الجزء 3

  يعني موسى لما سمع قول بني إسرائيل فغضب وسجد موسى وهارون ودَعَوَا اللَّه تعالى وأوحى إليه إن شئت لأهلكنهم فَدَعَوَا اللَّه تعالى فلم يعاقبهم، وقال: «لاَ أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي» يعني لا أملك التصريف على الطاعة والجهاد إِلَّا نَفْسِي «وَأَخِي» لأنه يجيبني إذا دعوته، ولا أقدر أن أحملهم على ما أحب، وقيل: معناه لا أملك إلا نفسي ولا يملك أخي أيضًا إلا نفسه «فَافْرُقْ بَينَنَا وَبَينَ الْقَوْم الْفَاسِقِينَ» أي: فافصل بيننا وبينهم بحكمك، فسماهم فساقًا، وجعلهم في التيه كَأنهم كفروا بالرد على نبيهم، وقيل: فافرق بيننا في أحكام الآخرة، فتدخلنا الجنة، وتدخلهم النار، وقيل:

  فافصل بيننا بذهابنا إلى الحق، وذهابهم إلى الباطل، ومعنى قوله: «الفاسقين»، قيل: الخارجين من الإيمان إلى الكفر، «قالَ» اللَّه تعالى: «فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيهِمْ» قيل: دخول تلك المدينة محرمة عليهم، قيل: هو تحريم منع عن أكثر أهل العلم، وقيل: يجوز أن يكون تحريم تعبد عن أبي علي، وقيل: كان موسى وهارون معهم في التيه عن أكثر أهل العلم، وقيل: لم يكونا معهم، حكاه الأصم، وقيل: كان معهم في الفلاة دون التيه، وكان يمكنه الخروج «أَرْبَعِينَ سَنَةً»، قيل: كان مدة التيه أربعين سنة، واختلفوا قيل: في مقدار ستة فراسخ، عن الربيع، وقيل: في تسعة فراسخ، وقيل:

  في ثلاثين فرسخًا، وقيل: ستة في اثني عشر، وقال مجاهد والحسن: كانوا يصبحون حيث يمسون ويمسون حيث يصبحون، وقيل: كانوا ستمائة ألف فارس، عن الربيع، وقيل: مات موسى في التيه، عن ابن عباس وأبي علي، وقيل: لم يمت، عن الحسن، وقيل: مات هارون ثم مات موسى، فلما مضى أربعون سنة خرجوا من التيه وفتحوا المدينة، واختلفوا فقيل: فتحها موسى، عن الحسن، وقيل: بل يوشع وَصِيُّ